اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذۡ قَالَتۡ أُمَّةٞ مِّنۡهُمۡ لِمَ تَعِظُونَ قَوۡمًا ٱللَّهُ مُهۡلِكُهُمۡ أَوۡ مُعَذِّبُهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ قَالُواْ مَعۡذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (164)

قوله : { وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } .

اختلفوا في الذين قالوا هذا القول .

فقيل : كانوا من الفرقة الهالكة ؛ لأنَّهُم لمَّا قيل لهم : انتهوا عن هذا العمل قبل أن ينزل بكم العذاب ؛ فإنكم إن لم تنتهوا فإنَّ اللَّهَ ينزل بكم بأسه فأجابوا بقولهم : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ } .

فقال النَّاهُونَ { مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ } أي موعظتنا { مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ } ، والأصحُّ أنها من قول الفرقة السَّاكتة جواباً للنَّاهية ، قالوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ . . . مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ } .

ومعناه : أنَّ الأمر بالمعروف واجبٌ علينا ، فعلينا موعظة هؤلاء عُذراً إلى اللَّهِ . " ولَعلَّهُم يتَّقُون " أي : يتَّقُوا اللَّهَ ويتركوا المعصية ، ولو كان الخطاب مع المعتدين لقال : " ولعلَّكُم تتَّقُونَ " .

" مَعْذِرَةً " قرأ العامَّةُ : " مَعْذِرَةٌ " رفعاً على أنه خبر ابتداء مضمر ، أي : موعظتنا معذرة .

وقرأ حفصٌ عن عاصم ، وزيد بن علي{[16924]} ، وعيسى بنُ عمر ، وطلحةُ بنُ مصرف : " مَعْذِرَةٌ " نصباً وفيها ثلاثةُ أوجه :

أظهرها : أنَّهَا منصوبةٌ على المفعول من أجله ، أي : " وعَظْنَاهُم لأجل المعذرة " .

وقال سيبويه{[16925]} : ولو قال رجلٌ لرجلٍ : معذرةً إلى الله وإليك من كذا ، لنصب .

الثَّاني : أنَّها منصوبةٌ على المصدر بفعل مقدر من لفظها ، تقديره : نَعْتَذِرُ مَعْذرةً .

الثالث : أن ينصب انتصابَ المفعول به ؛ لأن المعذرةَ تتضمَّنُ كلاماً ، والمفردُ المتضمِّنُ لكلام إذا وقع بعد القولِ نُصِبَ نصب المفعول به ، ك " قلت خطبة " .

وسيبويه يختارُ الرَّفْعَ .

قال : لأنَّهم لم يريدوا أن يعتذروا اعتذاراً مستأنفاً .

ولكنهم قيل لهم : لِمَ تَعِظُونَ ؟

" فَقَالُوا " موعظتنا معذرةً .

والمَعْذِرَةُ : اسمُ مصدر وهو العذر .

وقال الأزهري : إنَّها بمعنى الاعتذارِ ، والعذرُ : التَّنصلُ من الذَّنبِ .


[16924]:ينظر: السبعة 296، والحجة 4/97، وإعراب القراءات 1/210-211 وحجة القراءات 300، وإتحاف 2/66.
[16925]:ينظر: الكتاب لسيبويه 1/161.