قوله تعالى : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } الآية .
لمَّا شرح قبائح أعمال اليهود ذكر هنا حكمه عليهم بالذل والصَّغارِ إلى يوم القيامة ، و " تَأذَّنَ " فيه أوجه ، أحدها : أنَّهُ بمعنى : " آذَنَ " أي : أعْلَمَ .
قال الواحديُّ : وأكثر أهل اللغة على أنَّ : " التَّأذَُّن " بمعنى الإيذان ، وهو الإعلامُ .
قال الفارسي : " آذَنَ " أعْلَمَ ، و " أذَّنَ " نادى وصاح للإعلام ، ومنه قوله { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ } [ الأعراف : 44 ] .
قال : وبعض العرب يُجْرِي " آذَنْتُ " مجرى " تَأذَّنْتُ " فيجعل " آذَنَ وتَأذَّنَ " بمعنى فإذا كان " أذَّنَ " أعلم في لغة بعضهم ، ف " أذَّنَ " تفعَّل من هذا .
وقيل : معناه : حَتَّمَ وأوْجبَ وهو معنى قول مجاهد : أمر{[16944]} ربك ، وقول عطاء : حكم ربّك{[16945]} .
وقال الزمخشري : " تأذَّن " عزم ربك ، وهو تفعَّل من الإيذانِ وهو الإعلامُ ؛ لأنَّ العازمَ على الأمر يُحدِّثُ به نفسه ويؤذنها بفعله ، وأجري مُجْرَى فعل القسم ك : عَلِمَ الله ، وشَهِدَ الله ، ولذلك أجيب بما يجابُ به القسم وهو : " لَيَبْعَثَنَّ " .
وقال الطبريُّ وغيره " تَأذَّنَ " معناه " أعْلَمَ " ، وهو قلقٌ من جهة التصريف ، إذ نسبةُ " تأذَّنَ " إلى الفاعل غيرُ نسبة " أعْلَمَ " ، وبين ذلك فرقٌ من التعدي وغيره .
وقال ابن عباس : تأذَّنَ ربُّك قال ربُّكَ{[16946]} .
قوله : { إلى يَوْمِ القيامة } فيه وجها : أصحهما : أنَّهُ متعلقٌ ب : لِيَبَعْثَنَّ .
والثاني : أنَّهُ متعلقٌ ب : تَأذَّنَ نقله أبو البقاء ، ولا جائزٌ أن يتعلق ب : يَسُومُهُمْ ؛ لأن " مَنْ " إمَّا موصولةٌ ، وإمَّا موصوفةٌ ، والصلةُ والصفة لا يعملان فيما قبل الموصول والموصوف .
الضمير في عليهم يقتضي رجوعه إلى الذين : { عتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ } لكنَّهم قد مسخوا ، فلم يستمر عليهم التَّكليف ؛ فلذلك اختلفوا :
وقيل : المراد سائر اليهود ، فإنَّ أهل القرية كانوا فرقتين ، فالمتعدِّي مسخ ، وألْحَقَ الذُّلَّ بالبقيَّةِ .
وقال الأكثرون : هُمُ اليهُودَ الذين كانُوا في زمن الرسول - عليه الصَّلاة والسَّلامُ - ؛ لأن المقصودَ من الآية تخويفهم وزجرهم ، وهذا العذابُ في الدُّنْيَا ، لأنه نص على أنَّ ذلك العذاب ممدود إلى يوم القيامة ثمَّ اختلفوا فيه :
وقيل : الاستخفافُ والإهانةُ لقوله تعالى { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة أَيْنَ مَا ثقفوا } [ آل عمران : 112 ] وقيل : القتل والجلاء الذي وقع بأهل خيبر وبني قريظة والنضير .
دلَّت هذه الآية على أنَّ اليهود لا دولة لهم ولا عزَّ ، وأن الذُّلَّ والصغار لا يفارقهم ، وقد ورد في الحديث : أن أتباع الدَّجَّالِ هم اليهود{[16947]} فإن صحَّ فمعناه : أنهم كانوا قبل خروجه يهوداً ، ثم دانوا بإلهيته ؛ فذكروا بالاسم الأول ، ولوا ذلك لكانوا في وقت اتباعهم الدَّجَّال قد خرجوا عن الذلةِ والقهرِ ، وهو خلاف الآيةِ .
ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب } والمراد التَّحذيرُ من عذابه في الآخرة مع الذِّلةِ في الدُّنيا { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } لمن تاب من الكُفْرِ ، واليهوديَّةِ ، وآمن باللَّهِ وبرسوله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.