اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞وَإِذَا صُرِفَتۡ أَبۡصَٰرُهُمۡ تِلۡقَآءَ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

قوله تعالى : { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ } معناه : كلما وقعت أبصار أصحاب الأعراف على أهل النَّارِ تضرَّعُوا إلى اللَّهِ في ألاّ يجعلهم من زمرتهم .

وقرأ الأعمش{[16194]} : " وإذَا قلبت " وهي مخالفة للسواد كقراءة " لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ ساخطون " أو وهم طامعون على أن هذه أقرب .

قوله : " تِلْقَاءَ " منصوب على ظرف المكان .

قال مكيٌّ{[16195]} : " وجمعه تلاقِيّ " .

قال شهابُ الدّين : " لأن " تِلْقَاء " وزنه " تِفْعَال " ك " تمثال " وتمثال وبابه يجمع على " تَفَاعِيلُ " ، فالتقت الياء الزَّائدةُ مع الياء التي هي لام الكلمة ، فأدغمت فصارت " تَلاَقِيّ " .

والتلقاء في الأصل ، مصدر ثم جُعِلَ دالاًّ على المكان أي : على جهة اللِّقَاءِ والمقابلة .

قال الوَاحِدِيُّ : " التّلقاء جهة اللِّقَاءِ ، وهي في الأصل مصدر استعمل ظَرْفاً " ، ونقل الواحدي بإسناده عن ثعلب عن الكوفيين ، والمبرد عن البصريين أنهما قالا : لم يأت من المصادر على " تِفعال " بكسر التَّاء إلاَّ لفظتان : التِّلقاء ، والتبيان ، وما عدا ذلك من المصادر فمفتوح نحو : التَّرْداد والتكرار ، ومن الأسماء مكسور نحو : تِمثال وتِمْساح وتِقْصار .

وفي قوله : " صُرِفَتْ أبْصَارُهُم " فائدة جليلة ، وهو أنَّهُم لم يَلْتَفِتُوا إلى جهة النَّار [ إلا ] مجبورين على ذلك لا باختيارهم ؛ لأن مكان الشرِّ محذور ، وقد تقدَّم خلاف القُرَّاء في نحو : " تِلْقَاءَ أصْحَابِ " بالنِّسبة إلى إسقاط إحْدَى الهمزتين ، أو إثباتها ، أو تسهيلها في أوائل البقرة [ 6 ، 13 ] .

و " قالوا " هو جواب " إذا " والعامل فيها .


[16194]:ينظر: الكشاف 2/107، والبحر المحيط 4/305، والدر المصون 3/276.
[16195]:ينظر: المشكل 1/318.