الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞وَإِذَا صُرِفَتۡ أَبۡصَٰرُهُمۡ تِلۡقَآءَ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم ( رأوا{[23766]} ) أصحاب النار ، { قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين }[ 47 ] ، فيتعوذون{[23767]} بالله من منازلهم ، فأما{[23768]} أصحاب الحسنات ، فإنهم يعطون نورا فيمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ، ويعطي كل عبد يومئذ نورا وكرامة{[23769]} . فإذا أتوا على الصراط سلب الله عز وجل نور كل منافق ومنافقة . فلما رأى{[23770]} أهل الجنة ما لقي المنافقون ، قالوا : { ربنا أتمم{[23771]} لنا نورنا{[23772]} } . وأما " أصحاب الأعراف " ، فإن النور كان في أيديهم فلم ينزع منهم ، فلذلك قال : { لم يدخلوها وهم يطمعون }{[23773]} .

وقال مجاهد ، عن عبد الله بن الحارث : { أصحاب الأعراف } ، يؤمر بهم إلى نهر يقال له : " الحياة " ترابه{[23774]} : الورس والزعفران ، حافتاه{[23775]} : قصب الذهب مكلل باللؤلؤ ، وقال : فيغتسلون [ فيه اغتسالة ، وتبدو في نحورهم شامة بيضاء ، ثم يعودون فيغتسلون{[23776]} ] ، فيزدادون . فكلما اغتسلوا ازدادوا بياضا ، فيقال{[23777]} لهم [ تمنوا{[23778]} ] ما شئتم ، [ فيتمنون ما شاؤا ، فيقال لهم : لكم ما تمنيتم{[23779]} ] ، وسبعون ضعفا ، [ قال{[23780]} : ] فهم مساكين أهل الجنة{[23781]} .

ومثل هذا روي عن ابن عباس أيضا{[23782]} .

وقيل : { أصحاب الأعراف } ، قوم قتلوا في سبيل الله ( عز وجل{[23783]} ) عصاة لآبائهم في الدنيا . قاله : شرحبيل بن سعد{[23784]} ، قال : هم قوم خرجوا إلى الغور بغير{[23785]} إذن آبائهم{[23786]} ، فيقتلون{[23787]} .

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم{[23788]} ، أنه سئل عن " أصحاب الأعراف " ، فقال لهم{[23789]} : قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم فمنعهم قتلهم في سبيل الله ( عز وجل{[23790]} ) من النار ، ومنعهم معصيتهم{[23791]} آبائهم أن يدخلوا الجنة{[23792]} .

وعن مجاهد أنه قال : هم قوم صالحون فقهاء علماء{[23793]} .

وقال أبو مجلز{[23794]} : هم ملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار{[23795]} .

وقال ابن عباس : هم رجال أنزلهم الله ( عز وجل{[23796]} ) تلك المنزلة ، يعرفون أهل الجنة ببياض وجوههم ، ويعرفون أهل النار بسواد وجوههم ، ويتعوذون بالله ( سبحانه ){[23797]} أن يجعلهم مع الظالمين . وهم يحيون أهل الجنة بالسلام ، لم يدخلوها ، وهم يطمعون [ بالدخول{[23798]} إن شاء الله ]{[23799]} .

هذا خبر من الله عن أهل الأعراف : أنهم قالوا لأهل الجنة ما قالوا قبل دخول أصحاب الأعراف الجنة ، غير أنهم قالوه{[23800]} وهم يطمعون في دخولها{[23801]} .

وقال الحسن : والله ما جعل/الله ذلك الطمع في قلوبهم ، إلا{[23802]} لكرامة يريدها بهم{[23803]} .

وقال ابن مسعود : أما " أصحاب الأعراف " ، فإن النور كان في أيديهم ، لم ينزع{[23804]} من أيديهم ، فهنالك يقوم الله ( عز وجل{[23805]} ) { لم يدخلوها وهم يطمعون{[23806]} } .

قال ابن عباس : { وهم يطمعون } ، أي : في دخولها .

وقيل : " طَمِعَ " هنا بمعنى " علم " ، أي : لم يدخلها{[23807]} أصحاب الأعراف ، وهم يعلمون أنهم يدخلون{[23808]} .

وقيل{[23809]} المعنى : إن " أصحاب الأعراف " يقولون لأهل الجنة : { سلام عليكم } ، وأهل الجنة يطمعون أن يدخلوها ، ولم يدخلوا بعد{[23810]} .

وعلى هذا تأويل قول من جعل أصحاب الأعراف ملائكة ، يكون الطمع للمؤمنين الذين يمرون على أصحاب الأعراف{[23811]} .

وقيل المعنى : { لم يدخلوها وهم يطمعون } ؛ وإنما دخلوها ){[23812]} وهم غير طامعين{[23813]} . فيكون الوقف على هذا على { يطمعون }{[23814]} .

{ سلام عليكم } تمام{[23815]} ، على قول من جعل { وهم{[23816]} يطمعون } للمارين من المؤمنين{[23817]} .

ومن جعل " الطمع " لأصحاب الأعراف لم يقف على { يدخلوها }{[23818]} .

قوله : { وإذا صرفت أبصارهم }[ 46 ] ، الآية{[23819]} .

المعنى : وإذا صرفت أبصار أصحاب الأعراف نحو أصحاب النار ، فنظروا إلى حالهم { قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين{[23820]} }[ 47 ] .

وقال السدي : إذا مرت زمرة{[23821]} من أهل النار بأصحاب الأعراف ، دعوا ألا يجعلوا معهم{[23822]} .

وقال ابن عباس : [ إن " أصحاب الأعراف " {[23823]} ] إذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم ، واستعاذوا أن يُجعلوا معهم{[23824]} .


[23766]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23767]:في الأصل: فنعود، وهو تحريف، وصوابه من ج، وجامع البيان 12/454.
[23768]:في ج: وأما.
[23769]:كذا الأصل، وفي ج: عبثت به الأرضة، وفي مصادر التوثيق هامش 3، ص: 122: ويعطي كل عبد يومئذ نورا، وكل أمة نورا.
[23770]:في الأصل: رأوا، وهو تحريف.
[23771]:في الأصل: "أتتم"، وهو تحريف.
[23772]:التحريم: آية 8، وتمامها: {واغفر لنا إنك على كل شيء قدير}.
[23773]:انظر الأثر بتمامه في جامع البيان 12/453، 454، وتفسير ابن كثير 2/217، والدر المنثور 3/461.
[23774]:في الأصل: ترى به، وهو تحريف، وصوابه من ج، وجامع البيان 12/455.
[23775]:في الأصل: وحافته، وفي ج: وحافاته، وأثبت ما في جامع البيان.
[23776]:زيادة من ج، وجامع البيان 12/456.
[23777]:في الأصل: فيقول، وأثبت ما في ج، وجامع البيان 12/456.
[23778]:زيادة من ج، وجامع البيان 12/456. وفي الأصل: أثبت الناسخ مكانها: لكم، هو سهو منه، رحمه الله.
[23779]:جامع البيان 12/456. وانظر: تفسير ابن كثير 2/217.
[23780]:زيادة من ج، وجامع البيان 12/456.
[23781]:جامع البيان 12/456. وانظر: تفسير ابن كثير 2/217.
[23782]:انظره في جامع البيان 12/455،وتفسير ابن أبي حاتم 5/1485، وتفسير ابن كثير 2/217، والدر المنثور 3/464.
[23783]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23784]:سعد، تحرفت في الأصل إلى: سعيد، وفي ج، عسيرة القراءة بفعل الرطوبة، والتصويب من مصادر التوثيق. وهو: شُرحبيل بن سعد، أبو سعد المدني توفي سنة 123هـ. انظر: تهذيب التهذيب 2/157، وتقريب التهذيب 206.
[23785]:في ج: ومن غير.
[23786]:جامع البيان 12/457.
[23787]:في ج: فقُتلوا، ولم تكن من نص الأثر، ولعلها من كلام مكي، رحمه الله.
[23788]:في ج: عليه السلام.
[23789]:كذا الأصل: فقال لهم، وهي زيادة ليست في ج، ولا في جامع البيان.
[23790]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23791]:في ج، وجامع البيان معصية ءابائهم.
[23792]:جامع البيان 12/458. وانظر فيه: تعليق محمود شاكر على رجال سند الحديث، ومحصلته: أن الحديث ضعيف.
[23793]:في الأصل: عالمون، وأثبت ما في ج، ومصادر التوثيق: جامع البيان 12/458، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1486، وتفسير ابن كثير 2/217، ووسم فيه بالغرابة، والدر المنثور 3/466.
[23794]:هو: لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي، البصري، أبو مجلز، مشهور بكنيته، ثقة روى له الستة، توفي سنة 106هـ. انظر: تقريب التهذيب 516.
[23795]:انظر: الأثر بتمامه في جامع البيان 12/459، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1486، وتفسير ابن كثير 2/217، وفيه: "وهذا صحيح إلى أبي مجلز...، وهو غريب من قوله، وخلاف الظاهر من السياق، وقول الجمهور مقدم على قوله بدلالة الآية على ما ذهبوا إليه"، والدر المنثور 3/465. قال ابن جرير الطبري: جامع البيان 12/460، معقبا على الآثار الواردة في تفسير أصحاب الأعراف: "والصواب من القول في أصحاب الأعراف أن يقال كما قاله الله جل ثناؤه فيهم: هم رجال يعرفون كلا من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصح سنده، أنه متفق على تأويلها، ولا بإجماع من الأمة على أنهم ملائكة...".
[23796]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23797]:انظر: المصدر السابق.
[23798]:زيادة من ج، وبعدها: لم يدخلوها وهم يطمعون.
[23799]:جامع البيان 12/462، بتصرف يسير.
[23800]:في الأصل: قالوا، وأثبت ما في ج، وجامع البيان.
[23801]:جامع البيان 12/464.
[23802]:في الأصل: الكرامة، وأثبت ما في ج، ومصادر التوثيق أسفله.
[23803]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/230،وجامع البيان 12/465، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1488، وتفسير ابن كثير 2/218، والدر المنثور 3/466.
[23804]:في جامع البيان 12/465،: "فإن النور كان في أيديهم، فانتزع من أيديهم". وعلق الشيخ محمود شاكر على هذا الكلام في هامشه بقوله: في المطبوعة: "ما انتزع"، والصواب من المخطوطة، وليس الأمر كذلك، فالصواب هو عبارة المطبوعة؛ لأن الطبري سبق له أن ساق هذا الأثر مطولا، 12/453،454، وفيه:"فإن النور كان في أيديهم فلم ينزع من أيديهم"، وهذا ما يقويه السياق.
[23805]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23806]:من هنا وقع اضطراب في الأثر، وتمامه في جامع البيان 12/465 الذي ينقل عنه مكي: "..."، يقول الله: {لم يدخلوها وهم يطمعون}، قال: [أي: ابن مسعود] في دخولها. قال ابن عباس: "فأدخل الله أصحاب الأعراف الجنة".
[23807]:في الأصل: يدخلوها، وأثبت ما في ج.
[23808]:وهو قول النحاس في إعراب القرآن 2/128، بتصرف يسير. وقد ساقه المؤلف في مشكل إعراب القرآن 1/293.
[23809]:هو قول أبي مجلز.
[23810]:جامع البيان 12/465، بتصرف.
[23811]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23812]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23813]:انظر: مشكل إعراب القرآن 1/292، والقطع والإئتناف 334.
[23814]:انظر: القطع والائتناف 34، والمكتفى في الوقف والابتداء 271، وتفسير القرطبي 7/137. وفي ج: {هم يطمعون}.
[23815]:القطع الإئتناف 334.
[23816]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23817]:انظر: جامع البيان 12/464، وتفسير القرطبي 7/137.
[23818]:انظر: القطع والإئتناف 334، والمكتفى في الوقف والابتداء 271، وتفسير القرطبي 7/137، ومنار الهدى في بيان الوقف والابتداء 146.
[23819]:في ج: الآيتان.
[23820]:جامع البيان 12/466، بتصرف يسير، وتمام نصه، "الذين ظلموا أنفسهم فأكسبوها من سخطك ما أورثهم من عذابك ما هم فيه".
[23821]:في الأصل: إذا مرت زمرة إذا نظروا من أهل النار بأصحاب الأعراف. وفيه اضطراب لا يستقيم به المعنى. وأثبت ما في ج.
[23822]:جامع البيان 12/466، وتفسير ابن كثير 2/218، بلفظ:....، عن السدي قال: "...، وإذا مروا بهم، يعني بأصحاب الأعراف، بزمرة يذهب بها إلى النار، قالوا {ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين}".
[23823]:زيادة يقتضيها السياق من جامع البيان الذي ينقل عنه مكي رحمه الله.
[23824]:جامع البيان 12/466، وتفسير ابن كثير 2/218، بتصرف في صياغة الأثر.