اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيۡنَٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَأَغۡرَقۡنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمًا عَمِينَ} (64)

قوله : " فَكَذَّبُوهُ " : أي في ادِّعَاءِ النُّبوُّةِ والرِّسالةِ .

" فَأنْجَيْنَاهُ " من الطُّوفان ، وأنجْينا من كان معه [ وكانوا أرْبَعِينَ رجلاً ، وأربعين امرأة ]{[16393]} .

وقيل : عشرةٌ : بَنُوه : حَامٌ ، وسامٌ ، ويافث ، وسبعة ممن آمن معه من المؤمنين .

" فِي الفُلْكِ " أي : في السَّفِينَةِ ، وأغرقنا الكُفَّارَ والمكذِّبين ، وبين العِلَّة في ذلك فقال : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ } .

قوله : " فِي الفُلْكِ " يجوزُ أن يتعلق ب " أنْجَيْنَاهُ " ، أي : أنجيناه في الفلك ، [ ويجوز أن تكون " فِي " حينئذٍ سببيَّةً أي : بسبب الفُلْكِ ]{[16394]} كقوله : " إنَّ امْرَأةً دخلت النَّارَ في هِرَّةٍ{[16395]} " ، ويجوزُ{[16396]} أن يتعلق في الفلك بما تعلَّق به الظَّرْفُ الواقع صلةً ، أي : الذين استقرُّوا في الفلك معه .

" وعَمِيْنَ " جمع عَمٍ ، وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المادة{[16397]} .

وقيل : عمٍ هنا إذا كان أعْمَى البصيرة ، [ قال ابن عباس : عَمِيَتْ قلوبُهُم عن معرفة التَّوْحِيد ، والنَّبوة والمعَادِ{[16398]} قال أهل اللُّغَة ]{[16399]} : غير عارفٍ بأموره ، وأعْمَى أي في البَصَرِ .

قال زُهَيْرٌ : [ الطويل ]

وأعْلَمُ عِلْمَ اليَوْمِ والأمْسِ قَبْلَهُ *** ولَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمٍ{[16400]}

قاله اللَّيْثُ وقيل : عم وأعْمَى بمعنىً ، كخَضِرٍ وأخْضَر .

وقال بعضهم : " عَم " فيه دلالةٌ على ثبوت الصِّفةِ واستقرارها [ كفَرِح ] وضيّق ، ولو أريد الحدوث لَقِيلَ : عامٍ كما يقال : فارحٌ وضَائِقٌ .

وقال الزَّمَخْشَرِيُّ{[16401]} : قرئ " قَوْماً عَامِينَ " .


[16393]:سقط من أ.
[16394]:سقط من أ.
[16395]:أخرجه البخاري (6/409) كتاب بدء الخلق: باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه حديث (3314) ومسلم (4/2022) كتاب البر والصلة: باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها من الحيوان الذي لا يؤذي حديث (133/2642) من حديث ابن عمر.
[16396]:في أ: ويحق.
[16397]:ينظر تفسير الآية 18 من سورة البقرة.
[16398]:ذكره البغوي في تفسيره 2/169.
[16399]:سقط من ب.
[16400]:تقدم.
[16401]:ينظر: الكشاف 2/115.