اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَآءَكُمۡ ذِكۡرٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنكُمۡ لِيُنذِرَكُمۡ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ} (63)

قوله : " أوَ عَجْبتُمْ " ألفُ استفهامٍ دخلت على واو العَطْفِ ، وقد تقدَّم الخلافُ في هذه الهَمْزَةِ السَّابقة على الواو ، وقدَّر الزمخشري على قاعدته معطوفاً عليه محذوفاً تقديره : أكذَّبْتُمْ وعجبتم " أنْ جَاءَكُمْ " أي : مِنْ جاءكم ، فلما حذف الحَرْفَ جرى الخلاف المشهورُ .

" مِنْ رَبِّكُمْ " صفةٌ ل " ذِكْر " .

" عَلَى رَجُلٍ " : قال ابْنُ قُتَيْبَةَ : [ قال الفرَّاءُ ]{[16389]} : يجوز أن تكون على حذف مضافٍ ، أي : على لِسَانِ رَجُل " .

وقيل : على بمعنى " مع " ، أي : مع رجل فلا حذف .

وقيل : لا حاجة إلى حَذْف ، ولا إلى تضمين حرف ؛ لأنَّ المعنى أُنزل إليكم ذِكْر على رَجُلٍ ، وهذا أوْلى ؛ لأنَّ التَّضْمِينَ في الأفعال أحسن منه في الحُرُوفِ لقوَّتِهَا وضعف الحُرُوفِ .

فصل في معنى " الذكر "

قال ابنُ عَبَّاسٍ : الذَّكْرُ الموعظة{[16390]} .

وقال الحَسَنُ : إنه الوَحْيُ الَّذي جَاءَهُمْ بِهِ{[16391]} .

وقيل : المراد بالذِّكْرِ المُعْجِز .

وقيل : بيان " عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ " أي تعرفون نسبه ، فهو منكم نسباً .

" ليُنْذِرْكُمْ " أي : لأجْلِ أن ينذركم عذابَ اللَّه .

" وَلِتَتَّقُوا " أي : لكي تَتَّقُوا .

" وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون " أي : لكي ترحموا .

فصل في دحض شبهة للمعتزلة

قال الجُبُّائِيُّ ، والكَعْبِيُّ ، والقاضي{[16392]} : دلَّتْ هذه الآية على أنَّهُ تعالى أراد من بعثة الرُّسُل إلى الخلق التَّقْوَى ، والفوزَ بالرَّحْمَةِ ، وذلك يبطل قول من قال : إنَّهُ تعالى أراد من بعضهم الكُفْرَ والعِنَادَ ، وخلقهم لأجل العذاب والنارِ .

والجوابُ بأن نقول : إن لم يَتَوَقَّفِ الفعل على الدّاعي لزم رجحان الممكن لا لمرجح ، وإن توقَّف لزم الجَبْرُ ، ومتى لزم ذلك ، وجب القطعُ بأنَّهُ تعالى أراد الكُفْرَ ، وذلك يبطلُ مذهبكم .


[16389]:سقط من أ.
[16390]:ذكره البغوي في تفسيره (2/169).
[16391]:ذكره الرازي في تفسيره 14/124.
[16392]:ينظر: تفسير الرازي 14/125.