قوله { لِيَمِيزَ الله الخبيث } قد تقدَّم الكلامُ فيه في آل عمران : [ 179 ] . والمعنى : ليميزَ اللَّهُ الفريق الخبيث من الكُفَّارِ من الفريق الطَّيب من المؤمنين ، فيجعل الفريق الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً ، أي : يجمعهم ويضمُّهم حتَّى يتراكموا .
" أولَئِكَ " إشارةً إلى الفريق الخبيثِ ، وقيل : المراد الخبيث : نفقة الكافر على عداوة محمد- عليه الصلاة والسلام- ، وبالطيب : نفقة المؤمن في جهاد الكفار ، كإنفاقِ أبي بكر وعثمان في نصرة الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، فيضم تعالى تلك الأموال الخبيثة بعضها إلى بعض فيلقيها في جهنَّم ، ويعذبهم بها ، كقوله تعالى : { فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } [ التوبة : 35 ] فاللاَّمُ في قوله { لِيَمِيزَ الله الخبيث } على القول الأوَّلِ متعلقة بقوله تعالى : { يُحْشَرُونَ } أي : يحشرون ليميز اللَّهُ الفريق الخبيث من الفريق الطيب ، وعلى القول الثاني متعلقة بقوله : { ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } و " يَجْعَلَ " يحتمل أن تكون تصييريةً ، فتنصبَ مفعولين ، وأن تكون بمعنى الإلقاء ، فتتعدَّى لواحد ، وعلى كلا التقديرين ف " بَعْضَهُ " بدل بعضٍ من كل ، وعلى القول الأوَّلِ يكون " عَلَى بعضٍ " في موضع المفعول الثَّاني ، وعلى الثَّاني يكون متعلقاً بنفس الجَعْل ، نحو قولك : ألقَيْتَ متاعك بعضه على بعض .
وقال أبُو البقاءِ ، بعد أن حكم عليها بأنَّها تتعدَّى لواحدٍ :
" وقيل : الجار والمجرور حالٌ تقديره : ويجعل الخبيث بعضه عالياً على بعض " .
ويقال : مَيَّزْتُه فتمَيَّزَ ، ومزْنُه فانمازَ ، وقرئ شاذاً{[17334]} : { وانمازوا اليوم } [ يس : 59 ] ؛ وأنشد أبو زيدٍ : [ البسيط ]
لمَّا نَبا اللَّهُ عَنِّي شرَّ غُدْرَتِهِ *** وانْمَزْتُ لا مُنْسِئاً ذُعْراً ولا وَجِلا{[17335]}
وقد تقدَّم الفرق بين هذه الألفاظ في آل عمران [ 179 ] .
قوله " فَيَرْكُمَهُ " نسقٌ على المنصوبِ قبله ، والرَّكْمُ جمعك الشَّيء فوق الشيء ، حتى يصير رُكَاماً مركوماً كما يُركم الرمل والسحاب ، ومنه : { سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } [ الطور : 44 ] والمُرْتَكَم : جَادَّة الطريق للرَّكْم الذي فيه أي : ازدحام السَّبابلة وآثارهم ، و " جَمِيعاً " حالٌ ، ويجوزُ أن يكون توكيداً عند بعضهم ثم قال تعالى : { أولئك هُمُ الخاسرون } إشارة إلى الذين كفرُوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.