مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي [إخفاء]  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

ثم إنه تعالى أعاد بعض الأنباء فقال : { كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر } فيها تهوين وتسلية لقلب محمد صلى الله عليه وسلم فإن حاله كحال من تقدمه وفيه مسائل :

المسألة الأولى : إلحاق ضمير المؤنث بالفعل قبل ذكر الفاعل جائز بالاتفاق وحسن ، وإلحاق ضمير الجمع به قبيح عند الأكثرين ، فلا يجوزون كذبوا قوم نوح ، ويجوزون كذبت فما الفرق ؟ نقول : التأنيث قبل الجمع لأن الأنوثة والذكورة للفاعل أمر لا يتبدل ولا تحصل الأنوثة للفاعل بسبب فعلها الذي هو فاعله فليس إذا قلنا : ضربت هذه كانت هذه أنثى لأجل الضرب بخلاف الجمع ، لأن الجمع للفاعلين بسبب فعلهم الذي هم فاعلوه ، فإنا إذا قلنا : جمع ضربوا وهم ضاربون ليس مجرد اجتماعهم في الوجود يصحح قولنا : ضربوا وهم ضاربون ، لأنهم إن اجتمعوا في مكان فهم جمع ، ولكن إن لم يضرب الكل لا يصح قولنا : ضربوا ، فضمير الجمع من الفعل فاعلون جمعهم بسبب الاجتماع في الفعل والفاعلية ، وليس بسبب الفعل ، فلم يجز أن يقال : ضربوا جمع ، لأن الجمع لم يفهم إلا بسبب أنهم ضربوا جميعهم ، فينبغي أن يعلم أولا اجتماعهم في الفعل ، فيقول : الضاربون ضربوا ، وأما ضربت هند فصحيح ، لأنه لا يصح أن يقال : التأنيث لم يفهم إلا بسبب أنها ضربت ، بل هي كانت أنثى فوجد منها ضرب فصارت ضاربة ، وليس الجمع كانوا جمعا فضربوا فصاروا ضاربين ، بل صاروا ضاربين لاجتماعهم في الفعل ولهذا ورد الجمع على اللفظ بعد ورود التأنيث عليه فقيل : ضاربة وضاربات ولم يجمع اللفظ أولا لأنثى ولا لذكر ، ولهذا لم يحسن أن يقال : ضرب هند ، وحسن بالإجماع ضرب قوم والمسلمون .

المسألة الثانية : لما قال تعالى : { كذبت } ما الفائدة في قوله تعالى : { فكذبوا عبدنا } ؟ نقول : الجواب عنه من وجوه الأول : أن قوله : { كذبت قبلهم قوم نوح } أي بآياتنا وآية الانشقاق فكذبوا ( الثاني ) { كذبت قوم نوح الرسل } وقالوا : لم يبعث الله رسولا وكذبوهم في التوحيد : فكذبوا عبدنا كما كذبوا غيره وذلك لأن قوم نوح مشركون يعبدون الأصنام ومن يعبد الأصنام يكذب كل رسول وينكر الرسالة لأنه يقول : لا تعلق لله بالعالم السفلي وإنما أمره إلى الكواكب فكان مذهبهم التكذيب فكذبوا ( الثالث ) : قوله تعالى : { فكذبوا عبدنا } للتصديق والرد عليهم تقديره : كذبت قوم نوح وكان تكذيبهم عبدنا أي لم يكن تكذيبا بحق كما يقول القائل : كذبني فكذب صادقا .

المسألة الثالثة : كثيرا ما يخص الله الصالحين بالإضافة إلى نفسه كما في قوله تعالى : { إن عبادي ، يا عبادي ، واذكر عبدنا ، إنه من عبادنا } وكل واحد عبده فما السر فيه ؟ نقول : الجواب عنه من وجوه ( الأول ) : ما قيل : في المشهور أن الإضافة إليه تشريف منه فمن خصصه بكونه عبده شرف وهذا كقوله تعالى : { أن طهرا بيتي } وقوله تعالى : { ناقة الله } ( الثاني ) : المراد من عبدنا أي الذي عبدنا فالكل عباد لأنهم مخلوقون للعبادة لقوله : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } لكن منهم من عبد فحقق المقصود فصار عبده ، ويؤيد هذا قوله تعالى : { كونوا عبادا لي } أي حققوا المقصود ( الثالث ) : الإضافة تفيد الحصر فمعنى عبدنا هو الذي لم يقل : بمعبود سوانا ، ومن اتبع هواه فقد اتخذ إلها فالعبد المضاف هو الذي بكليته في كل وقت لله فأكله وشربه وجميع أموره لوجه الله تعالى وقليل ما هم .

المسألة الرابعة : ما الفائدة في اختيار لفظ العبد مع أنه لو قال رسولنا لكان أدل على قبح فعلهم ؟ نقول : قوله عبدنا أدل على صدقه وقبح تكذيبهم من قوله رسولنا لو قاله لأن العبد أقل تحريفا لكلام السيد من الرسول ، فيكون كقوله تعالى : { ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين } .

المسألة الخامسة : قوله تعالى وقالوا { مجنون } إشارة إلى أنه أتى بالآيات الدالة على صدقه حيث رأوا ما عجزوا منه ، وقالوا : هو مصاب الجن أو هو لزيادة بيان قبح صنعهم حيث لم يقنعوا بقولهم إنه كاذب ، بل قالوا مجنون ، أي يقول مالا يقبله عاقل ، والكاذب العاقل يقول ما يظن به أنه صادق فقالوا : { مجنون } أي يقول ما لم يقل به عاقل فبين مبالغتهم في التكذيب .

المسألة السادسة : { وازدجر } إخبار من الله تعالى أو حكاية قولهم ، نقول : فيه خلاف منهم من قال : إخبار من الله تعالى وهو عطف على كذبوا ، وقالوا : أي هم كذبوا وهو { ازدجر } أي أوذي وزجر ، وهو كقوله تعالى : { كذبوا وأوذوا } وعلى هذا إن قيل : لو قال كذبوا عبدنا وزجروه كان الكلام أكثر مناسبة ، نقول : لا بل هذا أبلغ لأن المقصود تقوية قلب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر من تقدمه فقال : وازدجر أي فعلوا ما يوجب الانزجار من دعائهم حتى ترك دعوتهم وعدل عن الدعاء إلى الإيمان إلى الدعاء عليهم ، ولو قال : زجروه ما كان يفيد أنه تأذى منهم لأن في السعة يقال : آذوني ولكن ما تأذيت ، وأما أوذيت فهو كاللازم لا يقال إلا عند حصول الفعل لا قبله ، ومنهم من قال : { وازدجر } حكاية قولهم أي هم قالوا ازدجر ، تقديره قالوا : مجنون مزدجر ، ومعناه : ازدجره الجن أو كأنهم قالوا : جن وازدجر ، والأول أصح ويترتب عليه قوله تعالى : { فدعا ربه أني مغلوب فانتصر } ترتيبا في غاية الحسن لأنهم لما زجروه وانزجر هو عن دعائهم دعا ربه أني مغلوب .

 
المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

9- كذَّبت قبل كفار مكة قوم نوح ، فكذَّبوا نوحاً - عبدنا ورسولنا - ورموه بالجنون ، وحالوا - بأنواع الأذى والتخويف - بينه وبين تبليغ الرسالة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

وبعد هذا الإيقاع العنيف في مطلع السورة ؛ والمشهد المكروب الذي يشمل المكذبين في يوم القيامة . . يأخذ في عرض مشاهد التنكيل والتعذيب الذي أصاب بالفعل أجيال المكذبين قبلهم ، وعرض مصارع الأمم التي سلكت من قبل مسلكهم ، بادئا بقوم نوح :

( كذبت قبلهم قوم نوح ، فكذبوا عبدنا وقالوا : مجنون وازدجر . . فدعا ربه أني مغلوب فانتصر . ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر . وفجرنا الأرض عيونا ، فالتقى الماء على أمر قد قدر . وحملناه على ذات ألواح ودسر . تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر . ولقد تركناها آية فهل من مدكر ? فكيف كان عذابي ونذر ? ولقد يسرنا القرآن للذكر ، فهل من مدكر ? ) . .

( كذبت قبلهم قوم نوح ) . . بالرسالة وبالآيات ( فكذبوا عبدنا ) . . نوحا ( وقالوا : مجنون ) . . كما قالت : قريش ظالمة عن محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وهددوه بالرجم ، وآذوه بالسخرية ، وطالبوه أن يكف عنهم ونهروه بعنف : ( وازدجر ) . . بدلا من أن ينزجروا هم ويرعووا !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

{ كذبت قبلهم قوم نوح } قبل قومك . { فكذبوا عبدنا } نوحا عليه السلام وهو تفصيل بعد إجمال ، وقيل معناه كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب ، أو كذبوه بعدما كذبوا الرسل . { وقالوا مجنون } هو مجنون . { وازدجر } وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية ، وقيل إنه من جملة قيلهم أي هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

{ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } : لتوالي الشدائد التي فيه .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

{ وازدجر } أي وزجروه ومنعوه عن تبليغ رسالة ربه بأنواع الأذى والتخويف .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

ازدُجر : زجروه عن التبليغ .

يبيّن الله تعالى هنا أن شأنَ الرسول الكريم مع قومه كشأنِ نوحٍ مع قومه . فبعد أن أخبرَ أنه جاءهم من الأخبار ما فيه زاجرٌ لو تذكّروا ، ذَكَر هنا قصة قوم نوح الذين كذّبوا نبيَّهم قديماً قبل قريش ، ورمَوه بالجنون ومنعوه من تبليغ رسالته بأنواع الأذى والتخويف .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } شروع في تعداد بعض ما ذكر من الأنباء الموجبة للازدجار ؛ ونوع تفصيل لها وبيان لعدم تأثرهم بها تقريراً لفحوى قوله تعالى : { فَمَا تُغْنِى النذر } [ القمر : 5 ] والفعل منزل منزلة اللازم أي فعلت التكذيب قبل تكذيب قومك قوم نوح ، وقوله تعالى : { فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } تفسير لذلك التكذيب المبهم كما في قوله تعالى : { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ } [ هود : 45 ] الخ ، وفيه مزيد تحقيق وتقرير للتكذيب ، وجوز أن يكون المعنى كذبوا تكذيباً إثر تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذب جاء عقيبه قرن آخر مكذب مثله ، أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا أي لما كانوا مكذبين للرسل جاحدين للنبوة رأساً كذبوا نوحاً لأنه من جملة الرسل ، والفاء عليه سببية ، وقيل : معنى كذبت قصدت التكذيب وابتدأته ، ومعنى فكذبوا وبلغوا نهايته كما قيل في قوله :

قد جبر الدين الأله فجبر *** وفي ذكره عليه السلام بعنوان العبودية مع الإضافة إلى نون العظمة تفخيم له عليه السلام ورفع لمحله وتشنيع لمكذبيه .

{ وَقَالُواْ مَجْنُونٌ } أي لم يقتصروا على مجرد التكذيب بل نسبوه إلى الجنون فقالوا هو مجنون { وازدجر } عطف على قالوا وهو إخبار منه عز وجل أي وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية والتخويف قاله ابن زيد ، وقرأ { لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يا نُوحٌ لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين } [ الشعراء : 116 ] وقال مجاهد : هو من تمام قولهم أي هو مجنون ، وقد ازدجرته الجن وذهبت بلبه وتخبطته ، والأول أظهر وأبلغ ، وجعل مبنياً للمفعول لغرض الفاصلة ، وطهر الألسنة عن ذكرهم دلالة على أن فعلهم أسوأ من قولهم .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

شرح الكلمات :

{ فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون } : أي كذبوا نوحا عبد الله ورسوله وقالوا هو مجنون .

{ وازدجر } : أي انتهروه وزجروه بالسب والشتم .

المعنى :

قوله تعالى { كذبت قبلهم قوم نوح } يخبر تعالى مسليا رسوله مخوفاً قومه فيقول { كذبت قبلهم } أي قبل قريش قوم نوح وهو أول رسول أرسل إلى قوم مشركين فكذبوا عبدنا رسولنا نوحاً كذبوه في دعوة التوحيد كذبوه في دعوة الرسالة ، ولم يكتفوا بتكذيبه فقالوا مجنون أي هو مجنون { وازدجر } أي انتهروه وزجروه ببذيء القول وسيء الفعل .

الهداية

من الهداية :

- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم .

- تحذير قريش من الاستمرار في الكفر والمعاندة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ فَكَذَّبُواْ عَبۡدَنَا وَقَالُواْ مَجۡنُونٞ وَٱزۡدُجِرَ} (9)

{ 9-17 } { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ }

لما ذكر تبارك وتعالى حال المكذبين لرسوله ، وأن الآيات لا تنفع فيهم ، ولا تجدي عليهم شيئا ، أنذرهم وخوفهم بعقوبات الأمم الماضية المكذبة للرسل ، وكيف أهلكهم الله وأحل بهم عقابه .

فذكر قوم نوح ، أول رسول بعثه الله إلى قوم يعبدون الأصنام ، فدعاهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، فامتنعوا من ترك الشرك وقالوا : { لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا }

ولم يزل نوح يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا ، وسرا وجهارا ، فلم يزدهم ذلك إلا عنادا وطغيانا ، وقدحا في نبيهم ، ولهذا قال هنا : { فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ } لزعمهم أن ما هم عليه وآباؤهم من الشرك والضلال هو الذي يدل عليه العقل ، وأن ما جاء به نوح عليه الصلاة والسلام جهل وضلال ، لا يصدر إلا من المجانين ، وكذبوا في ذلك ، وقلبوا الحقائق الثابتة شرعا وعقلا ، فإن ما جاء به هو الحق الثابت ، الذي يرشد العقول النيرة المستقيمة ، إلى الهدى والنور والرشد ، وما هم عليه جهل وضلال مبين ، [ وقوله : ] { وَازْدُجِرَ } أي : زجره قومه وعنفوه عندما دعاهم إلى الله تعالى ، فلم يكفهم -قبحهم الله- عدم الإيمان به ، ولا تكذيبهم إياه ، حتى أوصلوا إليه من أذيتهم ما قدروا عليه ، وهكذا جميع أعداء الرسل ، هذه حالهم مع أنبيائهم .