مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ شُرَكَآءَهُمۡ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدۡعُواْ مِن دُونِكَۖ فَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلَ إِنَّكُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (86)

قوله تعالى { وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون }

اعلم أن هذا أيضا من بقية وعيد المشركين ، وفي الشركاء قولان :

القول الأول : أنه تعالى يبعث الأصنام التي كان يعبدها المشركون ، والمقصود من إعادتها أن المشركين يشاهدونها في غاية الذلة والحقارة . وأيضا أنها تكذب المشركين ، وكل ذلك مما يوجب زيادة الغم والحسرة في قلوبهم ، وإنما وصفهم الله بكونهم شركاء لوجهين : الأول : أن الكفار كانوا يسمونها بأنها شركاء الله . والثاني : أن الكفار جعلوا لهم نصيبا من أموالهم .

والقول الثاني : أن المراد بالشركاء : الشياطين الذين دعوا الكفار إلى الكفر ، وهو قول الحسن ، وإنما ذهب إلى هذا القول ، لأنه تعالى حكى عن أولئك الشركاء أنهم ألقوا إلى الذين أشركوا إنهم لكاذبون ، والأصنام جمادات فلا يصح منهم هذا القول ، فوجب أن يكون المراد من الشركاء الشياطين حتى يصح منهم هذا القول وهذا بعيد ، لأنه تعالى قادر على خلق الحياة في تلك الأصنام وعلى خلق العقل والنطق فيها ، وحينئذ يصح منها هذا القول ، ثم حكى تعالى عن المشركين أنهم إذا رأوا تلك الشركاء قالوا : ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك .

فإن قيل : فما فائدتهم في هذا القول ؟

قلنا : فيه وجهان : الأول : قال أبو مسلم الأصفهاني : مقصود المشركين إحالة الذنب على هذه الأصنام وظنوا أن ذلك ينجيهم من عذاب الله تعالى أو ينقص من عذابهم ، فعند هذا تكذبهم تلك الأصنام . قال القاضي : هذا بعيد ، لأن الكفار يعلمون علما ضروريا في الآخرة أن العذاب سينزل بهم وأنه لا نصرة ولا فدية ولا شفاعة .

والقول الثاني : أن المشركين يقولون هذا الكلام تعجبا من حضور تلك الأصنام مع أنه لا ذنب لها . واعترافا بأنهم كانوا مخطئين في عبادتها . ثم حكى تعالى أن الأصنام يكذبونهم ، فقال : { فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون } والمعنى : أنه تعالى يخلق الحياة والعقل والنطق في تلك الأصنام حتى تقول هذا القول ، وقوله : { إنكم لكاذبون } بدل من القول ، والتقدير : فألقوا إليهم إنكم لكاذبون .

فإن قيل : إن المشركين ما قالوا إلا أنهم لما أشاروا إلى الأصنام قالوا : إن هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك وقد كانوا صادقين في كل ذلك ، فكيف قالت الأصنام إنكم لكاذبون ؟

قلنا : فيه وجوه : والأصح أن يقال : المراد من قولهم هؤلاء شركاؤنا هو أن هؤلاء الذين كنا نقول إنهم شركاء الله في المعبودية ، فالأصنام كذبوهم في إثبات هذه الشركة . وقيل : المراد إنكم لكاذبون في قولكم إنا نستحق العبادة ويدل عليه قوله تعالى : { كلا سيكفرون بعبادتهم } .