إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ شُرَكَآءَهُمۡ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدۡعُواْ مِن دُونِكَۖ فَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلَ إِنَّكُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (86)

{ وَإِذَا رَأى الذين أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ } ، الذين كانوا يدعونهم في الدنيا ، وهم الأوثانُ أو الشياطينُ الذين شاركوهم في الكفر بالحمل عليه ، وقارنوهم في الغيّ والضلال ، { قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤُنَا الذين كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ } ، أي : نعبدهم أو نطيعهم ، ولعلهم قالوا ذلك طمعاً في توزيع العذابِ بينهم ، كما ينبئ عنه قوله سبحانه : { فَأَلْقَوُاْ } ، أي : شركاؤهم { إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لكاذبون } ، فإن تكذيبهم إياهم فيما قالوا ليس إلا للمدافعة والتخلص عن غائلة مضمونه ، وإنما كذبوهم وقد كانوا يعبدونهم ويطيعونهم ؛ لأن الأوثانَ ما كانوا راضين بعبادتهم لهم ، فكأن عبادتَهم لهم كما قالت الملائكةُ عليهم السلام : { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن } ، يعنون : أن الجنَّ هم الذين كانوا راضين بعبادتهم لا نحن ، أو كذبوهم في تسميتهم شركاءَ وآلهةً تنزيهاً لله سبحانه عن الشريك . والشياطينُ وإن كانوا راضين بعبادتهم لهم لكنهم لم يكونوا حاملين لهم على وجه القسر والإلجاءِ ، كما قال إبليسُ : { وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لي } ، فكأنهم قالوا : ما عبدتمونا حقيقة ، بل إنما عبدتم أهواءكم .