مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَدَخَلَ جَنَّتَهُۥ وَهُوَ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِۦٓ أَبَدٗا} (35)

ثم إنه أراد أن يظهر لذلك المسلم كثرة ماله فأخبر الله تعالى عن هذه الحالة فقال : { ودخل جنته } وأراه إياها على الحالة الموجبة للبهجة والسرور وأخبره بصنوف ما يملكه من المال ، فإن قيل : لم أفرد الجنة بعد التثنية ؟ قلنا : المراد أنه ليس له جنة ولا نصيب في الجنة التي وعد المتقون المؤمنون وهذا الذي ملكه في الدنيا هو جنته لا غير ولم يقصد الجنتين ولا واحدا منهما ، ثم قال تعالى : { وهو ظالم لنفسه } وهو اعتراض وقع في أثناء الكلام ، والمراد التنبيه على أنه لما اعتز بتلك النعم وتوسل بها إلى الكفران والجحود لقدرته على البعث كان واضعا تلك النعم في غير موضعها ، ثم حكى تعالى عن الكافر أنه قال : { وما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة } فجمع بين هذين ، فالأول قطعه بأن تلك الأشياء لا تهلك ولا تبيد أبدا مع أنها متغيرة متبدلة .

فإن قيل : هب أنه شك في القيامة فكيف قال : ما أظن أن تبيد هذه أبدا مع أن الحدس يدل على أن أحوال الدنيا بأسرها ذاهبة باطلة غير باقية ؟ قلنا : المراد أنها لا تبيد مدة حياته ووجوده .