اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَدَخَلَ جَنَّتَهُۥ وَهُوَ ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِۦٓ أَبَدٗا} (35)

قوله : { جَنَّتَهُ } : إنما أفرد بعد ذكر التثنية ؛ اكتفاء بالواحد للعلمِ بالحال ، قال أبو البقاء{[21060]} : كما اكتفي بالواحد عن الجمع في قول الهذليِّ : [ الكامل ]

فَالعيْنُ بَعدهُم كَأنَّ حِداقهَا *** سُمِلتْ بِشوْكٍ فهي عُورٌ تَدْمَعُ{[21061]}

ولقائلٍ أن يقول : إنما يجوز ذلك ؛ لأنَّ جمع التكسير يجري مجرى المؤنَّثة ، فالضمير في " سُمِلَتْ " وفي " فهي " يعود على الحداقِ ، لا على حدقةٍ واحدة ، كما يوهم .

وقال الزمخشري : " فإن قلت : لم أفرد الجنَّة ، بعد التثنية ؟ قلت : معناه : ودخل ما هو جنَّتهُ ، ما له جنة غيرها ، بمعنى : أنه ليس له نصيب في الجنة الَّتي وعد المتَّقون ، فما ملكه في الدنيا ، فهو جنَّته ، لا غير ، ولم يقصد الجنتين ، ولا واحدة منهما " .

فصل

قال أبو حيان : " ولا يتصوَّر ما قال ؛ لأنَّ قوله : { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ } إخبار من الله تعالى بأنَّ هذا الكافر دخل جنَّته ، فلابدَّ أن قصد في الإخبار : أنه دخل إحدى جنتيه ؛ إذ لا يمكن أن يدخلهما معاً في وقتٍ واحدٍ " . قال شهاب الدين : من ادَّعى دخولهما في وقتٍ واحدٍ ، حتَّى يلزمه بهذا المستحيلِ في البداية ؟ وأمَّا قوله " ولم يقصد الجنَّتين ، ولا واحدة " معناه : لم يقصد تعيين مفردٍ ، ولا مثنى ، لا أنه لم يقصد الإخبار بالدخول .

وقال أبو البقاء{[21062]} : " إنما أفرد ؛ لأنَّهما جميعاً ملكهُ ، فصارا كالشيء الواحد " .

قوله : " وهُو ظَالِمٌ " حال من فاعل " دَخلَ " ، وقوله " لنَفْسهِ " مفعول " ظَالِمٌ " واللام مزيدة فيه ؛ لكون العامل فرعاً .

قوله : " { مَآ أَظُنُّ } فيه وجهان :

أحدهما : أن يكون مستأنفاً بياناً لسبب الظلم .

والثاني : أن يكون حالاً من الضَّمير في " ظَالِمٌ " ، أي : وهو ظالمٌ في حال كونه قائلاً .

قوله : " أنْ تَبِيدَ " أي : تهلك ، قال : [ المقتضب ]

فَلئِنْ بَادَ أهْلهُ *** لبِما كَانَ يُوهَلُ{[21063]}

ويقال : بَادَ يَبيدُ بُيُوداً وبَيْدُودة ، مثل " كَيْنُونة " والعمل فيها معروفٌ ، وهو أنه حذفت إحدى الياءين ، ووزنها فيعلولة .

قوله : { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ } يعني الكافر آخذاً بيد صاحبه المسلم يطوف به فيها ، ويريه بهجتها وحسنها ، وأخبره بصنوف ما يملكه من المال { وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } بكفره ، وهذا اعتراضٌ وقع في أثناء الكلام ، والمعنى أنه لمَّا اغترَّ بتلك النِّعم ، وتوسَّل بها إلى الكفران والجحود ؛ لقدرته على البعث ، كان واضعاً لتلك النِّعم في غير موضعها ،


[21060]:ينظر: الإملاء 2/102.
[21061]:البيت في ديوان الهذليين 1/3، الدر المصون 4/455.
[21062]:ينظر: الإملاء 2/102.
[21063]:البيت لعمر بن أبي ربيعة، ينظر: ديوانه 199، الهمع 2/42، الدرر 2/647، البحر 6/118، الدر المصون 4/455.