مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

وأما قوله تعالى : { إلا الذين تابوا } فاعلم أنهم اختلفوا في أن التوبة عن القذف كيف تكون ، قال الشافعي رحمه الله التوبة منه إكذابه نفسه ، واختلف أصحابه في معناه فقال الأصطخري يقول : كذبت فيما قلت فلا أعود لمثله ، وقال أبو إسحاق لا يقول كذبت لأنه ربما يكون صادقا فيكون قوله كذبت كذبا والكذب معصية ، والإتيان بالمعصية لا يكون توبة عن معصية أخرى ، بل يقول القاذف باطلا ندمت على ما قلت ورجعت عنه ولا أعود إليه .

أما قوله : { وأصلحوا } فقال أصحابنا إنه بعد التوبة لابد من مضي مدة عليه في حسن الحال حتى تقبل شهادته وتعود ولايته ، ثم قدروا تلك المدة بسنة حتى تمر عليه الفصول الأربع التي تتغير فيها الأحوال والطباع كما يضرب للعنين أجل سنة ، وقد علق الشرع أحكاما بالسنة من الزكاة والجزية وغيرهما .

وأما قوله تعالى : { فإن الله غفور رحيم } فالمعنى أنه لكونه غفورا رحيما يقبل التوبة وهذا يدل على أن قبول التوبة غير واجب عقلا إذ لو كان واجبا لما كان في قبوله غفورا رحيما ، لأنه إذا كان واجبا فهو إنما يقبله خوفا وقهرا لعلمه بأنه لو لم يقبله لصار سفيها ، ولخرج عن حد الإلهية . أما إذا لم يكن واجبا فقبله . فهناك تتحقق الرحمة والإحسان وبالله التوفيق .