الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

استثنى تعالى مَنْ تاب وأصلح من بعد القذف ، فالاستثناء غيرُ عامل في جلده بإجماع ، وعامل في فسقه بإجماع ، واخْتُلِفَ في عمله في رَدِّ الشهادة ، والجمهور أَنَّه عامل في رَدِّ الشهادة ، فإذا تاب القاذف قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ، ثم اختلفوا في صورة توبته ، فقيل بأن يُكَذِّبَ نَفْسَه ، وإلاَّ لم تُقْبَلُ وقالت فرقةٌ منها مالك : توبته أن يَصْلُحَ وتَحْسُنَ حالُه . وإنْ لم يرجع عن قوله بتكذيب واختلف فقهاءُ المالكيَّةِ متى تسقط شهادة القاذفِ فقال ابن الماجشون : بنفس قَذَفِهِ ، وقال ابن القاسم وغيره : لا تَسْقُطُ حتى يُجْلَدَ ، فإن مَنَعَ من جلده مانع عفو أو غيره لم تُرَدَّ شهادَتُه ، قال اللَّخْمِيَّ : شهادته في مدة الأجل للإثبات موقوفة .

و{ تَابُوا } [ النور : 5 ] .

معناه : رجعوا ، وقد رَجَّحَ الطبريُّ وغيرُهُ قولَ مالك ، واخْتُلِفَ أَيضاً على القول بجواز شهادته ، فقال مالك تجوزُ في كل شيء بإطلاق ، وكذلك كُلُّ مَنْ حُدَّ في شيء ، وقال سحنون : مَنْ حُدَّ في شيء فلا تجوز شهادته في مثل ما حُدَّ فيه ، واتفقوا فيما أحفظ على ولد الزنى أَنَّ شهادته لا تجوزُ في الزنى .