الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } قال : « توبتهم اكذابهم أنفسهم ، فإن كذبوا أنفسهم قبلت شهادتهم » .

وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال : في سورة النور { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم } واستثنى من ذلك فقال { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } [ النور : 4 ] فإذا حلفا فرق بينهما وإن لم يحلفا أقيم الحد . الجلد أو الرجم .

وأخرج ابن المنذر وابن جرير والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله { ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً } ثم قال { إلا الذين تابوا } قال : فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن المسيب قال شهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة بالزنا ونكل زياد ، فحد عمر الثلاثة وقال لهم : توبوا تقبل شهادتكم ، فتاب رجلان ولم يتب أبو بكرة فكان لا تقبل شهادته ، وكان أبو بكرة أخا زياد لأمه ، فلما كان من أمر زياد ما كان حلف أبو بكرة أن لا يكلمه أبداً ، فلم يكلمه حتى مات .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن عطاء في الآية قال : إذا تاب القاذف ، وأكذب نفسه ، قبلت شهادته .

وأخرج عبد بن حميد عن الشعبي والزهري وطاوس ومسروق قالوا : إذا تاب القاذف قبلت شهادته . وتوبته أن يكذب نفسه .

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب والحسن قالا : القاذف إذا تاب فتوبته فيما بينه وبين الله ولا تجوز شهادته .

وأخرج عبد بن حميد عن مكحول في القاذف إذا تام لم تقبل شهادته .

وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين قال : القاذف إذا تاب فإنما توبته فيما بينه وبين الله ، فأما شهادته فلا تجوز أبداً .

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : لا شهادة له .

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : توبته فيما بينه وبين ربه من العذاب العظيم . ولا تقبل شهادته .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله { ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً } قال : كان الحسن يقول : لا تقبل شهادة القاذف أبداً . توبته فيما بينه وبين الله .

وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : كل صاحب حد تجوز شهادته إلا القاذف ، فإن توبته فيما بينه وبين ربه .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم قال : لا تقبل للقاذف شهادة ؛ توبته بينه وبين ربه .

وأخرج عبد بن حميد عن عيسى بن عاصم قال : كان أبو بكرة إذا جاءه رجل يشهده قال : أشهد غيري فإن المسلمين قد فسقوني .

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب قال : شهدت عمر بن الخطاب حين جلد قذفة المغيرة بن شعبة منهم أبو بكرة ، وماتع ، وشبل ، ثم دعا أبا بكرة فقال : إن تكذب نفسك تجز شهادتك فأبى أن يكذب نفسه . ولم يكن عمر يجيز شهادتهما حتى هلكا ، فذلك قوله { إلا الذين تابوا } وتوبتهم اكذابهم أنفسهم .

وأخرج عبد الرزاق عن عمرو بن شعيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « قضى الله ورسوله أن لا تقبل شهادة ثلاثة ، ولا اثنين ، ولا واحد على الزنا ، ويجلدون ثمانين ثمانين ، ولا تقبل لهم شهادة أبداً حتى يتبين للمسلمين منهم توبة نصوح وإصلاح » .

وأخرج عبد بن حميد عن جعفر بن يرقان قال : سألت ميمون بن مهران عن هذه الآية { والذين يرمون المحصنات } إلى قوله { إلا الذين تابوا } فجعل الله فيها توبته . وقال في آية أخرى { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لُعِنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } فقال : أما الأولى ، فعسى أن تكون قارفت ، وأما الأخرى فهي التي لم تقارف شيئاً من ذلك .

وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : لما كان زمن العهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة ، جعلت المرأة تخرج من أهل مكة إلى رسول صلى الله عليه وسلم مهاجرة في طلب الإِسلام فقال المشركون : إنما انطلقت في طلب الرجال ، فأنزل الله { والذين يرمون المحصنات . . . } إلى آخر الآية .

وأخرج عبد الرزاق عن الحسن قال : الزنا أشد من القذف ، والقذف أشد من الشرب .

وأخرج عبد الرزاق عن عطاء قال : جلد الزاني أشد من جلد الفرية والخمر ، وجلد الفرية والخمر فوق الحد والله تعالى أعلم .