الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (5)

ثم قال تعالى : { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم } [ 5 ] .

أي إلا من تاب من بعد قذفه ، وأخذ الحد منه وهو استثناء من قوله :

{ ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } [ 4 ] ، فإذا تاب قبلت شهادته وهو مذهب أكثر{[47909]} الفقهاء منهم : الشعبي ، والزهري ، وأبو الزناد{[47910]} ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد{[47911]} وهو قول عمر بن الخطاب ، وابن أبي طلحة{[47912]} عن ابن عباس ، وعطاء{[47913]} ، ومجاهد ، وطاوس ، وبه قال عمر بن عبد العزيز ، وعبد الله بن عتبة{[47914]} ، وابن المسيب{[47915]} .

وقال{[47916]} شريح{[47917]} : لا تجوز شهادته وإن تاب{[47918]} ، يجعل الاستثناء من الفاسقين لأنه قد منع قبول شهادته بالأبد ، فلا تقبل أبدا .

وروي{[47919]} عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تجوز شهادة محدود في الإسلام ، وبهذا القول يقول ابن عباس في رواية عطاء عنه ، وبه{[47920]} قال سعيد بن جبير ، والنخعي والثوري ، وأصحاب الرأي{[47921]} . فيكون أبدا وقف{[47922]} على قول من قال : لا تقبل شهادته ولا يوقف عليه ، وعلى{[47923]} قول من قال : تقبل{[47924]} إذا تاب .

واحتج الشافعي{[47925]} على{[47926]} من منع قبول{[47927]} شهادته إذا تاب بأنهم{[47928]} يقبلونها إذا تاب قبل أن يحد ، فينبغي إذا حد أن يكون قبولها أولى ، لأن الحدود كفارات{[47929]} للذنوب ، وهم كلهم يقبلون شهادة المحدود في الزنا ، وشرب الخمر ، والمسكر{[47930]} إذا تاب ، وكذلك الزنديق ، والمشرك .

وقد قال تعالى : { إلا الذين تابوا } [ 5 ] ، فهو راجع إلى كل من تقدم ذكره ، إلا أن يأتي خبر يدل على الخصوص .


[47909]:انظر: ابن جرير 18/77، 76، 78 وأحكام القرآن للجصاص 3/273-274، والكشاف 3/50-51، وأحكام القرآن لابن العربي 31-1337، وزاد المسير 6/12، والرازي 23/161، والقرطبي 12/179، والخازن 5/50، والتسهيل 3/128، وابن كثير 5/55، ومجمع البيان 18/13، والدر المنثور 18-131-132، وفتح القدير 4/59.
[47910]:أبو الزناد هز: عبد الله بن ذكوان القرشي المدني: محدث، كان فقيه أهل المدينة، وكان صاحب كتابة وحساب، وكان ثقة في الحديث عالما بالعربية فصيحا. انظر: تذكرة الحفاظ 1/126، وتهذيب ابن عساكر 7/382، والأعلام 4/85.
[47911]:هو الإمام المجتهد أبو عبيد القاسم بن سلام البغدادي الفقيه القاضي صاحب المصنفات العديدة، وكان ثقة ورعا حافظا للحديث وعلله، توفي بمكة المكرمة سنة 224هـ. انظر: التهذيب 8/315، وطبقات المفسرين للداودي 2/32-33، طبقات الفراء للجزري 2/16-18، ومعجم الأدباء 16/254، وإنباه الرواة 3/12، وكشف الظنون ص47، والخلاص ص469، والأعلام 5/87.
[47912]:المعاني 18/99، انظر ترجمته في غاية النهاية 2/107.
[47913]:"وعطاء" ساقط من ز.
[47914]:انظر: العبر 1/63.
[47915]:بعدها في ز: "رحمة الله عليهم".
[47916]:انظر: ابن جرير 18/67 وما بعدها، وأحكام القرآن للجصاص 3/273، وأحكام القرآن لابن العربي 3/1337، والقرطبي 12/179، والخازن 5/50، والبحر 6/432، وابن كثير 5/55، ومجمع البيان 18/12، والنسفي 3/132، وفتح القدير 4/9.
[47917]:شريح هو ابن الحارث بن قيس الكوفي النخعي أبو أمية مخضرم ثقة، قيل له صحبة، توفي قبل الثمانين أو بعدها، وله مائة وثمان سنين أو أكثر. انظر: التقريب ص145، وطبقات ابن خياط، ص145، والخلاصة 1/447.
[47918]:"وإن تاب" ساقطة من ز.
[47919]:انظر: سنن ابن ماجة أحكام ص30، ومسند أحمد 6/28.
[47920]:"وبه قال" ساقطة من ز.
[47921]:انظر: أحكام القرآن للشافعي 2/135، والأم 7/95، والسنن الكبرى للبيهقي 10/152، وأحكام القرآن للجصاص 3/273، وأحكام القرآن للكيا الهراسي 4/272-273، والرازي 23/161، والخازن 5/50، والبحر 6/432، وأبو السعود 5/71، وروح المعاني 18/99.
[47922]:انظر: المكتفي ص405، ومنار الهدى ص194.
[47923]:"وعلى "ساقطة من ز.
[47924]:بعدها في ز: شهادته.
[47925]:انظر: القرطبي 12/180.
[47926]:ز: عن.
[47927]:ز: قول.
[47928]:ز: فإنهم.
[47929]:ز: كفارة.
[47930]:ز: والسكر.