واختلف العلماء في قبول شهادة القاذف بعد التوبة ، وحكم هذا الاستثناء المذكور في قوله : { إلا الذين تابوا } أي : رجعوا عما وقعوا فيه من القذف وغيره ، وندموا عليه وعزموا على أن لا يعودوا { من بعد ذلك } أي : الأمر الذي أوجب إبعادهم ، فذهب قوم إلى أن القاذف ترد شهادته بنفس القذف ، فإذا تاب وصلح حاله كما قال تعالى : { وأصلحوا } أي : بعد التوبة بمضي مدة يظن بها حسن الحال ، وهي سنة يعتبر بها حال التائب بالفصول الأربعة التي تكشف الطبائع { فإن الله } أي : الذي له صفات الكمال { غفور } أي : ستور لهم ما أقدموا عليه لرجوعهم عنه { رحيم } أي : يفعل بهم من الإكرام فعل الراحم بالمرحوم في قبول الشهادة ، وقبلت شهادته سواء قبل الحدّ وبعده وزال عنه اسم الفسق ، وقالوا : هذا الاستثناء يرجع إلى رد الشهادة ، وإلى الفسق ، ويروى ذلك عن ابن عمرو وابن عباس ، وجمع من الصحابة وبه قال مالك والشافعي ، وذهب قوم إلى أن شهادة المحدود في القذف لا تقبل أبداً وإن تاب ، وقالوا : الاستثناء رجع إلى قوله : { وأولئك هم الفاسقون } ، ويروى ذلك عن النخعي وشريح ، وبه قال أصحاب الرأي قالوا : بنفس القذف لا تردّ شهادته ما لم يحد ؛ قال الشافعي : هو قبل أن يحدّ شر منه حين يحدّ ؛ لأن الحدود كفارات ، فكيف يرد بها في أحسن حاليه ، وذهب الشعبي إلى أن حد القذف يسقط بالتوبة .
فإن قيل : إذا قلتم بالأول فما معنى قوله تعالى : { أبداً } ؟ أجيب : بأن معنى أبداً ما دام مصراً على القذف ؛ لأن أبد كل إنسان مدته على ما يليق بحاله كما يقال : لا تقبل شهادة الكافر أبداً ؛ يراد بذلك ما دام على كفره ، فإذا أسلم قبلت شهادته .
تنبيهان : الإقرار بالزنا هل يثبت بشهادة رجلين أو أربع كالزنا ؟ فيه قولان : أصحهما أنه يثبت برجلين بخلاف فعل الزنا ؛ لأن الفعل يغمض الاطلاع عليه ، وإذا شهد على فعل الزنا يجب أن يذكر الزاني ومن زنا بها ؛ لأنه قد يراه على جارية لأبيه فيظنه زناً يوجب الحد ، وأن يقول في شهادته : رأيت ذكره يدخل في فرجها ، وإن لم يقل دخول الميل في المكحلة لكن قوله ذلك أولى ، فلو شهدوا مطلقاً أنه زنا لم يقبلوا لأنهم ربما يرون المفاخذة زناً ، ويشترط أيضاً أن يفسر في إقراره كالشهود ويصح رجوعه عن الإقرار ، ولو في أثناء الحدّ كما مرَّ ، ولا فرق في قبول الشهادة بين أن يجيء الشهود متفرقين أو مجتمعين كما قاله الشافعي ، وقال أبو حنيفة : إذا شهدوا متفرقين لا يثبت وعليهم حدّ القذف ، ولو شهد على الزنا أقل من أربعة أو أربعة وفيهم الزوج لم يثبت الزنا وعليهم الحدّ ؛ لأن شهادة الزوج لا تقبل في حق زوجته ؛ قال ابن الرفعة في الكفاية : لأمرين أحدهما : أن الزنا تعرض لمحل حق الزوج ، فإنّ الزاني يستمتع بالمنافع المستحقة له فشهادته في حقها تتضمن إثبات جناية الغير على ما هو مستحق له ، فلم تسمع كما إذا شهد أنه جنى على عبده ، والثاني : أنّ من شهد بزنا زوجته فنفس شهادته دال على إظهار العداوة ؛ لأن زناها يوغر صدره بتلطيخ فراشه وإدخال الغير عليه وعلى ولده ، وهو أبلغ من مؤلم الضرب وفاحش السب ، ولو قذف رجل وجاء بأربعة فساق شهدوا على المقذوف بالزنا لم يحدّوا ؛ لأن شرائط الشهادة بالزنا قد وجدت عند القاضي إلا أنه لم تقبل شهادتهم لأجل التهمة فكما اعتبرنا التهمة في نفي الحدّ عن المشهود عليه ، فكذلك أوجبنا اعتبارها في نفي الحدّ عنهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.