مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ} (17)

{ رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين } ولو كانت إعانة المؤمن ههنا سببا للمعصية لما قال ذلك .

وأما قوله : { فعلتها إذا وأنا من الضالين } فلم يقل إني صرت بذلك ضالا ، ولكن فرعون لما ادعى أنه كان كافرا في حال القتل نفى عن نفسه كونه كافرا في ذلك الوقت ، واعترف بأنه كان ضالا أي متحيرا لا يدري ما يجب عليه أن يفعله وما يدبر به في ذلك . أما قوله إن كان كافرا حربيا فلم استغفر عن قتله ؟ قلنا كون الكافر مباح الدم أمر يختلف باختلاف الشرائع فلعل قتلهم كان حراما في ذلك الوقت ، أو إن كان مباحا لكن الأولى تركه على ما قررنا ، قوله ذلك القتل كان قتل خطأ ، قلنا لا نسلم فلعل الرجل كان ضعيفا وموسى عليه السلام كان في نهاية الشدة ، فوكزه كان قاتلا قطعا . ثم إن سلمنا ذلك ولكن لعله عليه السلام كان يمكنه أن يخلص الإسرائيلي من يده بدون ذلك الوكز الذي كان الأولى تركه ، فلهذا أقدم على الاستغفار على أنا وإن سلمنا دلالة هذه الآية على صدور المعصية لكنا بينا أنه لا دليل البتة على أنه كان رسولا في ذلك الوقت فيكون ذلك صادرا منه قبل النبوة ، وذلك لا نزاع فيه .

المسألة الخامسة : قالت المعتزلة الآية دلت على بطلان قول من نسب المعاصي إلى الله تعالى لأنه عليه السلام قال : { هذا من عمل الشيطان } فنسب المعصية إلى الشيطان ، فلو كانت بخلق الله تعالى لكانت من الله لا من الشيطان وهو كقول يوسف عليه السلام { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } وقول صاحب موسى عليه السلام : { وما أنسانيه إلا الشيطان } وقوله تعالى : { لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } .

أما قوله : { رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين } ففيه وجوه . أحدها : أن ظاهره يدل على أنه قال إنك لما أنعمت علي بهذا الإنعام فإني لا أكون معاونا لأحد من المجرمين بل أكون معاونا للمسلمين ، وهذا يدل على أن ما أقدم عليه من إعانة الإسرائيلي على القبطي كان طاعة لا معصية ، إذ لو كانت معصية ، لنزل الكلام منزلة ما إذا قيل إنك لما أنعمت علي بقبول توبتي عن تلك المعصية فإني أكون مواظبا على مثل تلك المعصية . وثانيها : قال القفال : كأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرما ، والباء للقسم أي بنعمتك علي . وثالثها : قال الكسائي والفراء إنه خبر ، ومعناه الدعاء كأنه قال فلا تجعلني ظهيرا ، قال الفراء وفي حرف عبد الله { فلا تجعلني ظهيرا } ، واعلم أن في الآية دلالة على أنه لا يجوز معاونة الظلمة والفسقة . وقال ابن عباس : لم يستثن ولم يقل فلن أكون ظهيرا إن شاء الله ، فابتلي به في اليوم الثاني ، وهذا ضعيف لأنه في اليوم الثاني ترك الإعانة ، وإنما خاف منه ذلك العدو فقال : { إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض } لا أنه وقع منه .