مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قُرۡءَانًا عَرَبِيًّا غَيۡرَ ذِي عِوَجٖ لَّعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ} (28)

ولما كانت هذه البيانات النافعة والبينات الباهرة موجودة في القرآن ، لا جرم وصف القرآن بالمدح والثناء ، فقال : { قرءانا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : احتج القائلون بحدوث القرآن بهذه الآية من وجوه الأول : أن قوله : { ولقد ضربنا للناس في هذا القرءان من كل مثل لعلهم يتذكرون } يدل على أنه تعالى إنما ذكر هذه الأمثال ليحصل لهم التذكر ، والشيء الذي يؤتى به لغرض آخر يكون محدثا ، فإن القديم هو الذي يكون موجودا في الأزل ، وهذا يمتنع أن يقال إنه إنما أتى به لغرض كذا وكذا ، والثاني : أنه وصفه بكونه عربيا وإنما كان عربيا لأن هذه الألفاظ إنما صارت دالة على هذه المعاني بوضع العرب وباصطلاحهم ، وما كان حصوله بسبب أوضاع العرب واصطلاحاتهم كان مخلوقا محدثا الثالث : أنه وصفه بكونه قرآنا والقرآن عبارة عن القراءة والقراءة مصدر والمصدر هو المفعول المطلق فكان فعلا ومفعولا والجواب : أنا نحمل كل هذه الوجوه على الحروف والأصوات وهي حادثة ومحدثة .

المسألة الثانية : قال الزجاج قوله : { عربيا } منصوب على الحال والمعنى ضربنا للناس في هذا القرآن في حال عربيته وبيانه ويجوز أن ينتصب على المدح .

المسألة الثالثة : أنه تعالى وصفه بصفات ثلاثة أولها : كونه قرآنا ، والمراد كونه متلوا في المحاريب إلى قيام القيامة ، كما قال : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ، وثانيها : كونه عربيا والمراد أنه أعجز الفصحاء والبلغاء عن معارضته كما قال : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } وثالثها : كونه غير ذي عوج والمراد براءته عن التناقض ، كما قال : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } وأما قوله : { لعلهم يتقون } فالمعتزلة يتمسكون به في تعليل أحكام الله تعالى .

وفيه بحث آخر : وهو أنه تعالى قال في الآية الأولى : { لعلهم يتذكرون } وقال في هذه الآية : { لعلهم يتقون } والسبب فيه أن التذكر متقدم على الاتقاء ، لأنه إذا تذكره وعرفه ووقف على فحواه وأحاط بمعناه ، حصل الاتقاء والاحتراز ، والله أعلم .