مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَرَفَعۡنَا فَوۡقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَٰقِهِمۡ وَقُلۡنَا لَهُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُلۡنَا لَهُمۡ لَا تَعۡدُواْ فِي ٱلسَّبۡتِ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا} (154)

قوله تعالى { ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا }

الثاني : أنهم امتنعوا عن قبول شريعة التوراة فرفع الله الجبل فوقهم حتى قبلوا ، وصار المعنى : ورفعنا فوقهم الطور لأجل أن يعطوا الميثاق بقبول الدين . الثالث : أنهم أعطوا الميثاق على أنهم إن هموا بالرجوع عن الدين فالله يعذبهم بأي نوع من أنواع العذاب أراد ، فلما هموا بترك الدين أظل الله الطور عليهم وهو المراد من قوله { ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم } . وثانيها : قوله : { وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا } ومضى بيانه في سورة البقرة . وثالثها : قوله { وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : { لا تعدوا في السبت } ، فيه وجهان : الأول : لا تعدوا باقتناص السمك فيه قال الواحدي : يقال عدا عليه أشد العداء والعدو والعدوان ، أي ظلمه وجاوز الحد ، ومنه قوله { فيسبوا الله عدوا } الثاني : لا تعدوا في السبت من العدو بمعنى الحضر ، والمراد النهي عن العمل والكسب يوم السبت ، كأنه قال لهم : اسكنوا عن العمل في هذا اليوم واقعدوا في منازلكم فأنا الرزاق .

المسألة الثانية : قرأ نافع { لا تعدوا } ساكنة العين مشددة الدال ، وأراد : لا تعتدوا ، وحجته قوله { ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت } فجاء في هذه القصة بعينها افتعلوا ، ثم أدغم التاء في الدال لتقاربهما ولأن الدال تزيد على التاء في الجهر ، وكثير من النحويين ينكرون الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني منهما مدغما ولم يكن الأول حرف لين نحو دابة وشابة ، وقيل لهم ، ويقولون : إن المد يصير عوضا عن الحركة ، وروى ورش عن نافع { لا تعدوا } بفتح العين وتشديد الدال ، وذلك لأنه لما أدغم التاء في الدال نقل حركتها إلى العين ، والباقون { تعدوا } بضم الدال وسكون العين حقيقة .

المسألة الثالثة : قال القفال : الميثاق الغليظ هو العهد المؤكد غاية التوكيد ، وذلك بين فيما يدعونه من التوراة .