قوله تعالى : { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار * ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب * هدى وذكرى لأولي الألباب * فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار }
اعلم أن في كيفية النظم وجوها ( الأول ) أنه تعالى لما ذكر وقاية الله موسى صلوات الله عليه وذلك المؤمن من مكر فرعون بين في هذه الآية أنه ينصر رسله والذين آمنوا معه ( الثاني ) لما بين من قبل ما يقع بين أهل النار من التخاصم وأنهم عند الفزع إلى خزنة جهنم يقولون { أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات } أتبع ذلك بذكر الرسل وأنه ينصرهم في الدنيا والآخرة ( والثالث ) وهو الأقرب عندي أن الكلام في أول السورة إنما وقع من قوله { ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد } وامتد الكلام في الرد على أولئك المجادلين وعلى أن المحقين أبدا كانوا مشغولين بدفع كيد المبطلين ، وكل ذلك إنما ذكره الله تعالى تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتصبيرا له على تحمل أذى قومه .
ولما بلغ الكلام في تقرير المطلوب إلى الغاية القصوى وعد تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن ينصره على أعدائه في الحياة الدنيا وفي الآخرة فقال : { إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا } الآية ، أما في الدنيا فهو المراد بقوله { في الحياة الدنيا } ، وأما في الآخرة فهو المراد بقوله { ويوم يقوم الأشهاد } فحاصل الكلام أنه تعالى وعد بأنه ينصر الأنبياء والرسل ، وينصر الذين ينصرونهم نصرة يظهر أثرها في الدنيا وفي الآخرة .
واعلم أن نصرة الله المحقين تحصل بوجوه : ( أحدها ) النصرة بالحجة ، وقد سمى الله الحجة سلطانا في غير موضع ، وهذه النصرة عامة للمحقين أجمع ، ونعم ما سمى الله هذه النصرة سلطانا لأن السلطنة في الدنيا قد تبطل ، وقد تتبدل بالفقر والذلة والحاجة والفتور ، أما السلطنة الحاصلة بالحجة فإنها تبقى أبد الآباد ويمتنع تطرق الخلل والفتور إليها ( وثانيها ) أنهم منصورون بالمدح والتعظيم ، فإن الظلمة وإن قهروا شخصا من المحقين إلا أنهم لا يقدرون على إسقاط مدحه عن ألسنة الناس ( وثالثها ) أنهم منصورون بسبب أن بواطنهم مملوءة من أنوار الحجة وقوة اليقين ، فإنهم إنما ينظرون إلى الظلمة والجهال كما تنظر ملائكة السموات إلى أخس الأشياء ( ورابعها ) أن المبطلين وإن كان يتفق لهم أن يحصل لهم استيلاء على المحقين ، ففي الغالب أن ذلك لا يدوم بل يكشف للناس أن ذلك كان أمرا وقع على خلاف الواجب ونقيض الحق ( وخامسها ) أن المحق إن اتفق له أن وقع في نوع من أنواع المحذور فذلك يكون سببا لمزيد ثوابه وتعظيم درجاته ( وسادسها ) أن الظلمة والمبطلين كما يموتون تموت آثارهم ولا يبقى لهم في الدنيا أثر ولا خبر . وأما المحقون فإن آثارهم باقية على وجه الدهر والناس بهم يقتدون في أعمال البر والخير ولمحنهم يتركون فهذا كله أنواع نصرة الله للمحقين في الدنيا ( وسابعها ) أنه تعالى قد ينتقم للأنبياء والأولياء بعد موتهم ، كما نصر يحيى بن زكريا فإنه لما قتل به سبعون ألفا ، وأما نصرته تعالى إياهم في الآخرة فذلك بإعلاء درجاتهم في مراتب الثواب وكونهم مصاحبين لأنبياء الله ، كما قال : { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } .
واعلم أن في قوله { إنا لننصر رسلنا } إلى قوله { ويوم يقوم الأشهاد } دقيقة معتبرة وهي أن السلطان العظيم إذا خص بعض خواصه بالإكرام العظيم والتشريف الكامل عند حضور الجمع العظيم من أهل المشرق والمغرب كان ذلك ألذ وأبهج فقوله { إنا لننصر رسلنا - إلى - ويوم يقوم الأشهاد } المقصود من المراد كل من يشهد بأعمال العباد يوم القيامة من ملك ونبي ومؤمن ، أما الملائكة فهم الكرام الكاتبون يشهدون بما شاهدوا ، وأما الأنبياء فقال تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } وقال تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } قال المبرد يجوز أن يكون واحد الأشهاد شاهدا كأطيار وطائر وأصحاب وصاحب ، ويجوز أن يكون واحد الأشهاد شهيدا كأشراف وشريف وأيتام ويتيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.