قوله تعالى : { وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين * وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون * فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون * ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون * وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين } .
اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة على كفر أولئك الكفار أردفه بذكر السبب الذي لأجله وقعوا في ذلك الكفر فقال : { وقيضنا لهم قرناء } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال صاحب «الصحاح » : يقال قايضت الرجل مقايضة أي عاوضته بمتاع ، وهما قيضان كما يقال بيعان ، وقيض الله فلانا أي جاءه به وأتى به له ، ومنه قوله تعالى : { وقيضنا لهم قرناء } .
المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى يريد الكفر من الكافر ، فقالوا إنه تعالى ذكر أنه قيض لهم أولئك القرناء ، وكان عالما بأنه متى قيض لهم أولئك القرناء فإن يزينوا الباطل لهم ، وكل من فعل فعلا وعلم أن ذلك الفعل يفضي إلى أثر لا محالة ، فإن فاعل ذلك الفعل لا بد وأن يكون مريدا لذلك الأثر فثبت أنه تعالى لما قيض لهم قرناء فقد أراد منهم ذلك الكفر ، أجاب الجبائي عنه بأن قال لو أراد المعاصي لكانوا بفعلها مطيعين إذ الفاعل لما أراده منه غيره يجب أن يكون مطيعا له ، وبأن قوله { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } يدل على أنه لم يرد منهم إلا العبادة ، فثبت بهذا أنه تعالى لم يرد منهم المعاصي ، وأما هذه الآية فنقول : إنه تعالى لم يقل وقيضنا لهم قرناء ليزينوا لهم ، وإنما قال : { فزينوا لهم } فهو تعالى قيض القرناء لهم بمعنى أنه تعالى أخرج كل أحد إلى آخر من جنسه ، فقيض أحد الزوجين للآخر والغني للفقير والفقير للغني ثم بين تعالى أن بعضهم يزين المعاصي للبعض .
واعلم أن وجه استدلال أصحابنا ما ذكرناه ، وهو أن من فعل فعلا وعلم قطعا أن ذلك الفعل يفضي إلى أثر ، فاعل ذلك الفعل يكون مريدا لذلك الأثر ، فهاهنا الله تعالى قيض أولئك القرناء لهم وعلم أنه متى قيض أولئك القرناء لهم فإنهم يقعون في ذلك الكفر والضلال ، وما ذكره الجبائي لا يدفع ذلك ، قوله ولو أراد الله منهم المعاصي لكانوا بفعلها مطيعين لله ، قلنا لو كان من فعل ما أراده غيره مطيعا له لوجب أن يكون الله مطيعا لعباده إذا فعل ما أرادوه معلوم أنه باطل ، وأيضا فهذا إلزام لفظي لأنه يقال إن أردت بالطاعة أنه فعل ما أراد فهذا إلزام للشيء على نفسه ، وأن أردت غيره فلا بد من بيانه حتى ينظر فيه أنه هل يصح أم لا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.