اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسۡخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضۡوَٰنَهُۥ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ} (28)

قوله : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَا أَسْخَطَ الله } أي ذلك الضرب بأنه اتبعوا ما أسخط الله . قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[51493]} بما كتموا التوراة وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وكرهوا ما فيه رضوان الله وهو الطاعة والإيمان . وقيل : المراد بما أسخط الله الكفر لأن الإيمان يرضيه لقوله تعالى : { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ } [ الزمر : 7 ] . وقيل : بما أسخط الله هو تسويل الشيطان .

فإن قيل : هم ما كانوا يكرهون رضوان الله بل كانوا يقولون : إن الذي هم عليه رضوان الله ولا نطلب به إلا رضى الله وكيف ( لا ){[51494]} والمشركون بإشراكهم كانوا يقولون إنا نطلب رضى الله كما قالوا : { لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] وقالوا : { فَيَشْفَعُواْ لَنَا }{[51495]} [ الأعراف : 53 ] .

فالجواب : معناه كرهوا ما فيه رضى الله . وفيه قوله : { مَا أَسْخَطَ الله } ولم يقل : «ما أرضى الله » لطيفة وهي أن رحمة الله سابقة ، فله رحمة ثانية وهي منشأ الرضوان وغضب الله متأخر ، فهو يكون على ذنب ، فقال «رضوانه » لأنه من وصف ثابت لله سابق . ولم يقل «سَخِطَ الله » بل قال «أَسْخَطَ » إشارة إلى أن السخط ليس ثبوته كثبوت الرضوان ولهذا المعنى قال في اللَّعَان في حق المرأة : { والخامسة أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ الصادقين } [ النور : 9 ] يقال : غضب الله مضافاً لأن لعانه قد سبق فظهر الزنا بقوله وإيمانه وقبله لم يكن غضب فرضوان الله أمر يكون منه الفعل وغضب الله أمر يكون من فعله .

قوله : «فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ » حيث لم يطلبوا رضا الله وإنما طلبوا رِضَا الشيطان والأصنام{[51496]} .


[51493]:سقط من ب.
[51494]:سقط من ب.
[51495]:وفي النسختين نقلا عن الرازي ليشفعوا باللام، والأصح ما أثبت أعلى.
[51496]:انظر الرازي المرجع السابق.