مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَآ أَبَدٗا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ} (24)

ثم قال تعالى { قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون }

وفي قوله { اذهب أنت وربك } وجوه : الأول : لعل القوم كانوا مجسمة ، وكانوا يجوزون الذهاب والمجيء على الله تعالى . الثاني : يحتمل أن لا يكون المراد حقيقة الذهاب بل هو كما يقال : كلمته فذهب يجيبني ، يعني يريد أن يجيبني ، فكأنهم قالوا : كن أنت وربك مريدين لقتالهم ، والثالث : التقدير : اذهب أنت وربك معين لك بزعمك فأضمر خبر الابتداء .

فإن قيل : إذا أضمرنا الخبر فكيف يجعل قوله { فقاتلا } خبرا أيضا ؟

قلنا : لا يمتنع خبر بعد خبر ، والرابع : المراد بقوله { وربك } أخوه هارون ، وسموه ربا لأنه كان أكبر من موسى . قال المفسرون : قولهم { اذهب أنت وربك } إن قالوه على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فهو كفر ، وإن قالوه على وجه التمرد عن الطاعة فهو فسق ، ولقد فسقوا بهذا الكلام بدليل قوله تعالى في هذه القصة { فلا تأس على القوم الفاسقين } والمقصود من هذه القصة شرح خلاف هؤلاء اليهود وشدة بغضهم وغلوهم في المنازعة مع أنبياء الله تعالى منذ كانوا .