مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِي شَيۡءٍۚ إِنَّمَآ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ} (159)

قوله تعالى : { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون }

قرأ حمزة والكسائي { فارقوا } بالألف والباقون { فرقوا } ومعنى القراءتين عند التحقيق واحد لأن الذي فرق دينه بمعنى أنه أقر ببعض وأنكر بعضا ، فقد فارقه في الحقيقة ، وفي الآية أقوال :

القول الأول : المراد سائر الملل . قال ابن عباس : يريد المشركين بعضهم يعبدون الملائكة ويزعمون أنهم بنات الله ، وبعضهم يعبدون الأصنام ، ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فهذا معنى فرقوا دينهم وكانوا شيعا ، أي فرقا وأحزابا في الضلالة . وقال مجاهد وقتادة : هم اليهود والنصارى ، وذلك لأن النصارى تفرقوا فرقا ، وكفر بعضهم بعضا ، وكذلك اليهود ، وهم أهل كتاب واحد ، واليهود تكفر النصارى .

والقول الثاني : أن المراد من الآية أخذوا ببعض وتركوا بعضا ، كما قال تعالى : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض } وقال أيضا : { أن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض } .

والقول الثالث : قال مجاهد : إن الذين فرقوا دينهم من هذه الأمة ، هم أهل البدع والشبهات واعلم أن المراد من الآية الحث على أن تكون كلمة المسلمين واحدة ، وأن لا يتفرقوا في الدين ولا يبتدعوا البدع وقوله : { لست منهم في شيء } فيه قولان : الأول : أنت منهم بريء وهم منك برآء وتأويله : إنك بعيد عن أقوالهم ومذاهبهم ، والعقاب اللازم على تلك الأباطيل مقصور عليهم ولا يتعداهم . والثاني : لست من قتالهم في شيء . قال السدي : يقولون لم يؤمر بقتالهم ، فلما أمر بقتالهم نسخ ، وهذا بعيد ، لأن المعنى لست من قتالهم في هذا الوقت في شيء ، فورد الأمر بالقتال في وقت آخر لا يوجب النسخ .

ثم قال : { إنما أمرهم إلى الله } أي فيما يتصل بالإمهال والإنظار ، والاستئصال والإهلاك { ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون } والمراد الوعيد .