وقرأ الأخوان{[15646]} : " فَارَقُوا " من المُفَارَقة .
قال القرطبي{[15647]} - رحمه الله عليه - : " وهي قِرَاءة عليِّ بن أبي طالب- رضي الله عنه - من المُفَارقة والفِرَاق ، على مَعْنَى : أنَّهُم تركوا دينَهُم وخَرَجُوا عنه ، وكان عَلِيٌّ - كرم الله وجهه - يقول : والله ما فَرَّقُوه ، ولكن فَارَقُوه " .
وقال شهاب الدِّين{[15648]} : فيها وجهان :
أحدهما : أن " فَاعَل " بمعنى : فعَّل ، نحو : ضاعَفْتُ الحساب ، وضعَّفته .
وقيل : هي من المُفَارَقَة ، وهي التَّرْك ، والتَّخْلِية ، ومن فرَّق دينَهُ ؛ فآمن بِبَعْض وكفر ببعض ، فقد فَارَقَ الدِّين القيم .
وقرأ الباقون : " فرَّقوا " بالتَّشْديد ، وقرأ الأعمش ، وأبو صالح ، وإبراهيم ، : " فرَقُوا " مخفف الراء .
قال أبو البقاء : " وهو بمعنى المُشَدَّد ، ويجُوز أن يكُون بمعنى : فَصَلُوه عن الدِّين الحقِّ " وقد تقدَّم معنى الشِّيع ، أي : صَارُوا فِرقاً مختلفة .
قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - : يريد : المُشْركين ، بعضهُم يَعْبُدون الملائكة ، ويَزْعُمون أنَّهم بنات اللَّه ، وبعضُهم يَعْبدون الأصْنَام ، ويقولون : " هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ{[15649]} الله " و " كانوا شِيَعاً " أي : فِرَقاً وأحزاباً في الضَّلالة .
وقال مُجاهدٌ ، وقتادة : هم اليَهُود والنَّصَارى ؛ لأن النَّصَارى تفرَّقوا فِرَقاً ، ويُكَفِّر بعضهم بعضاً ، واليهُود أخَذُوا ببعض الكتاب ، وتركوا بعضه{[15650]} .
وقيل : هم أهْل البِدَع والشُّبُهَات من هذه الأمَّة وروى عُمَر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة - رضي الله عنها - : " يا عائشةُ ! إنَّ الذينَ فَرَّقُوا دينَهُم وكانُوا شِيعَاً هُمْ أصْحَابُ البدعِ وأصْحَابُ الأهْوَاءِ من هذه الأمَّةِ " {[15651]} .
وروى عبد الله بن عمر- رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ بَنِي إسْرائِيلَ تفرَّقَتْ على اثْنَيْنِ وسَبْعِين ملَّة ، وتفرَّفَت أُمَّتِي على ثلاثٍ وسبْعين ملَّة كُلُّها في النَّارِ إلاَّ واحِدة ، قال : من هِيَ يا رسُول الله ؟ قال : " ما أنا عَلَيه وأصْحَابي " {[15652]} .
" لَسْت " : في محلِّ رفع خبراً ل " إنّ " ، و " مِنْهُم " : هو خبر " لَيْسَ " إذ بِه تتم الفَائِدة ؛ كقول النابغة : [ الوافر ]
إذا حَاوَلْتَ فِي أسَدٍ فُجُورا *** فإنِّي لَسْتُ مِنْكَ ولَسْتَ مِنِّي{[15653]}
ونظيرُه [ في الإثْبَات ]{[15654]} : " { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } [ إبراهيم : 36 ] .
وعلى هذا ، فيكُون " فِي شَيْءٍ " متعلِّقاً بالاسْتِقْرَار الذي تعلَّق به مِنْهُم ، أي : ليست مُسْتَقِرّاً منهم في شيء ، أي مِنْ تَفْرِيقهم . [ ويجُوز أن يَكُون " فِي شيءٍ " : الخبر ، و " مِنْهُم " : حال مُقدَّمة عليه ، وذلك على حَذْفِ مُضافٍ ، أي : لَسْت في شيءٍ كَائِن من تَفْرِيقهم ]{[15655]} ، فلمَّا قُدِّمت الصِّفَة نصبت حالاً .
الأول : إذا أُريد أهل الأهْوَاء ، فالمَعْنَى : أنت بَرِيءٌ منهم ، وهم مِنْكَ بَرَاءُ ، أي : إنَّك بعيد عن أهْوَائِهِهم ومَذاهِبِهم ، والعِقَابُ اللاَّزم على تِلْك الأبَاطيل مَقْصُورة عَلَيْهم لا يتعدَّاهم .
وإن أُريد اليَهُود والنَّصَارى .
قال السُّدِّيُّ : " معناه : يقولون يُؤمَر بِقتَالِهم ؛ فلما أمر بِقِتَالِهِم نُسِخ " وهذا بعيد ؛ لأن المعنى : لَسْت من قِتَالِهِم في هذا الوَقْتِ في شَيْءٍ ؛ فوُرُده الأمْر بالقِتَال في وَقْتٍ آخَر ، لا يُوجب النَّسْخ . ثم قال : " إنَّما أمْرُهُم إلى اللَّه " يعني : في الجَزَاء ، والمُكَافأة ، والإمْهَال ، " ثم يُنَبِّئُهُم بما كَانُوا يَفْعَلُون " والمراد : الوعيد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.