وثالثها : قوله : { لابثين فيها أحقابا } اعلم أنه تعالى لما بين أن جهنم مآب للطاغين ، وبين كمية استقرارهم هناك ، فقال : { لابثين فيها أحقابا } وههنا مسائل :
المسألة الأولى : قرأ الجمهور : { لابثين } وقرأ حمزة لبثين وفيه وجهان قال الفراء هما بمعنى واحد يقال لابث ولبث ، مثل طامع ، وطمع ، وفاره ، وفره ، وهو كثير ، وقال صاحب الكشاف : واللبث أقوى لأن اللابث من وجد منه اللبث ، ولا يقال : لبث إلا لمن شأنه اللبث ، وهو أن يستقر في المكان ، ولا يكاد ينفك عنه .
المسألة الثانية : قال الفراء أصل الحقب من الترادف ، والتتابع يقال أحقب ، إذا أردف ومنه الحقيبة ومنه كل من حمل وزرا ، فقد احتقب ، فيجوز على هذا المعنى : { لابثين فيها أحقابا } أي دهورا متتابعة يتبع بعضها بعضا ، ويدل عليه قوله تعالى : { لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا } يحتمل سنين متتابعة إلى أن أبلغ أو آنس ، واعلم أن الأحقاب ، واحدها حقب وهو ثمانون سنة عند أهل اللغة ، والحقب السنون واحدتها حقبة وهي زمان من الدهر لا وقت له ثم نقل عن المفسرين فيه وجوه : ( أحدها ) : قال عطاء والكلبي ومقاتل عن ابن عباس في قوله : { أحقابا } الحقب الواحد بضع وثمانون سنة ، والسنة ثلثمائة وستون يوما ، واليوم ألف سنة من أيام الدنيا ، ونحو هذا روى ابن عمر مرفوعا ( وثانيها ) : سأل هلال الهجري عليا عليه السلام .
فقال الحقب مائة سنة ، والسنة اثنا عشر شهرا ، والشهر ثلاثون يوما ، واليوم ألف سنة ( وثالثها ) : قال الحسن الأحقاب لا يدري أحد ما هي ، ولكن الحقب الواحد سبعون ألف سنة اليوم منها كألف سنة مما تعدون : ( فإن قيل ) قوله أحقابا وإن طالت إلا أنها متناهية ، وعذاب أهل النار غير متناه ، بل لو قال لابثين فيها الأحقاب لم يكن هذا السؤال واردا ، ونظير هذا السؤال قوله في أهل القبلة : { إلا ما شاء ربك } قلنا : ( الجواب ) من وجوه : ( الأول ) : أن لفظ الأحقاب لا يدل على مضي حقب له نهاية وإنما الحقب الواحد متناه ، والمعنى أنهم يلبثون فيها أحقابا كلما مضى حقب تبعه حقب آخر ، وهكذا إلى الأبد ( والثاني ) : قال الزجاج : المعنى أنهم يلبثون فيها أحقابا لا يذوقون في الأحقاب بردا ولا شرابا ، فهذه الأحقاب توقيت لنوع من العذاب ، وهو أن لا يذوقوا بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا ، ثم يبدلون بعد الأحقاب عن الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب ( وثالثها ) : هب أن قوله : { أحقابا } يفيد التناهي ، لكن دلالة هذا على الخروج دلالة المفهوم ، والمنطوق دل على أنهم لا يخرجون . قال تعالى : { يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم } ولا شك أن المنطوق راجح ، وذكر صاحب «الكشاف » في الآية وجها آخر ، وهو أن يكون أحقابا من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره ، وحقب فلان إذا أخطأه الرزق فهو حقب وجمعه أحقاب . فينتصب حالا عنهم بمعنى لابثين فيها حقبين مجدبين وقوله : { لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا } تفسير له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.