مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ} (2)

قوله تعالى : { عن النبأ العظيم } ففيه مسائل .

المسألة الأولى : ذكر المفسرون في تفسير النبأ العظيم ثلاثة أوجه : ( أحدها ) : أنه هو القيامة وهذا هو الأقرب ويدل عليه وجوه أحدها : قوله : { سيعلمون } والظاهر أن المراد منه أنهم سيعلمون هذا الذي يتساءلون عنه حين لا تنفعهم تلك المعرفة ، ومعلوم أن ذلك هو القيامة وثانيها : أنه تعالى بين كونه قادرا على جميع الممكنات بقوله : { ألم نجعل الأرض مهادا } إلى قوله : { يوم ينفخ في الصور } وذلك يقتضي أنه تعالى إنما قدم هذه المقدمة لبيان كونه تعالى قادرا على إقامة القيامة ، ولما كان الذي أثبته الله تعالى بالدليل العقلي في هذه السورة هو هذه المسألة ثبت أن النبأ العظيم الذي كانوا يتساءلون عنه هو يوم القيامة ( وثالثها ) : أن العظيم اسم لهذا اليوم بدليل قوله : { ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين } وقوله : { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون } ولأن هذا اليوم أعظم الأشياء لأن ذلك منتهى فزع الخلق وخوفهم منه فكان تخصيص اسم العظيم به لائقا ( والقول الثاني ) : { إنه لقرآن } واحتج القائلون بهذا الوجه بأمرين الأول : أن النبأ العظيم هو الذي كانوا يختلفون فيه وذلك هو القرآن لأن بعضهم جعله سحرا وبعضهم شعرا ، وبعضهم قال إنه أساطير الأولين ، فأما البعث ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقد كانوا متفقين على إنكارهما وهذا ضعيف ، لأنا بينا أن الاختلاف كان حاصلا في البعث ( الثاني ) : أن النبأ اسم الخبر لا اسم المخبر عنه فتفسير النبأ بالقرآن أولى من تفسيره بالبعث أو النبوة ، لأن ذلك في نفسه ليس بنبأ بل منبأ عنه ، ويقوي ذلك أن القرآن سمي ذكرا وتذكرة وذكرى وهداية وحديثا ، فكان اسم النبأ به أليق منه بالبعث والنبوة ( والجواب ) : عنه أنه إذا كان اسم النبأ أليق بهذه الألفاظ فاسم العظيم أليق بالقيامة وبالنبوة لأنه لا عظمة في ألفاظ إنما العظمة في المعاني ، وللأولين أن يقولوا إنها عظيمة أيضا في الفصاحة والاحتواء على العلوم الكثيرة ، ويمكن أن يجاب أن العظيم حقيقة في الأجسام مجاز في غيرها وإذا ثبت التعارض بقي ما ذكرنا من الدلائل سليما ( القول الثالث ) : أن النبأ العظيم هو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، قالوا وذلك لأنه لما بعث الرسول عليه الصلاة والسلام جعلوا يتساءلون بينهم ماذا الذي حدث ؟ فأنزل الله تعالى : { عما يتساءلون } وذلك لأنهم عجبوا من إرسال الله محمدا عليه الصلاة والسلام إليهم كما قال تعالى : { بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب } وعجبوا أيضا أن جاءهم بالتوحيد كما قال : { أجعل الآهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } فحكى الله تعالى عنهم مساءلة بعضهم بعضا على سبيل التعجب بقوله : { عم يتساءلون } .

المسألة الثانية : في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه ( أحدها ) : وهو قول البصريين أن قوله : { عم يتساءلون } كلام تام ، ثم قال : { عن النبأ العظيم } والتقدير : { يتساءلون عن النبأ العظيم } إلا أنه حذف يتساءلون في الآية الثانية ، لأن حصوله في الآية الأولى يدل عليه وثانيها : أن يكون قوله : { عن النبأ العظيم } استفهاما متصلا بما قبله ، والتقدير : عم يتساءلون أعن النبأ العظيم

{ الذي هم فيه مختلفون } ، إلا أنه اقتصر على ما قبله من الاستفهام إذ هو متصل به ، وكالترجمة والبيان له كما قرئ في قوله : { أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون } بكسر الألف من غير استفهام لأن إنكارهم إنما كان للبعث ، ولكنه لما ظهر الاستفهام في أول الكلام اقتصر عليه ، فكذا ههنا ( وثالثها ) : وهو اختيار الكوفيين أن الآية الثانية متصلة بالأولى على تقدير ، لأي شيء يتساءلون عن النبأ العظيم ، وعم كأنها في المعنى لأي شيء ، وهذا قول الفراء .