مكية ولم يحكوا في ذلك خلافا وهي مائة واحدة وثمانون آية عند البصريين ومائة واثنتان وثمانون عند غيرهم وفيها تفصيل أحوال القرون المشار إلى إهلاكها في قوله تعالى في السورة المتقدمة { ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون إنهم إليهم لا يرجعون } وفيها من تفصيل أحوال المؤمنين وأحوال أعدائهم الكافرين يوم القيامة ما هو كالإيضاح لما في تلك السورة من ذلك وذكر فيها شيء مما يتعلق بالكواكب لم يذكر فيما تقدم ولمجموع ما ذكر ذكرت بعدها وفي البحر مناسبة أول هذه السورة لآخر سورة يس أنه تعالى لما ذكر المعاد وقدرته سبحانه على إحياء الموتى وأنه هو منشئهم وأنه إذا تعلقت إرادته بشيء كان ذكر عز وجل هنا وحدانيته سبحانه إذ لا يتم ما تعلقت به الإرادة إيجادا وإعداما إلا بكون المريد واحدا كما يشير إليه قوله تعالى { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } .
بسْم الله الرحمن الرَّحيم { والصافات صَفَّا } اقسام من الله تعالى بالملائكمة عليهم السلام كما روى عن ابن عباس . وابن مسعود . ومسروق . ومجاهد . وعكرمة . وقتادة . والسدي ، وأبى أبو مسلم ذلك وقال : لا يجوز حمل هذه اللفظ وكذا ما بعد على الملائكة لأن اللفظ مشعر بالتأنيث والملائكة مبرؤن عن هذه الصفة ، وفيه أن هذا في معنى جمع الجمع فهو جمع صافة أي طائفة أو جماعة صافة ، ويجوز أن يكون تأنيث المفرد باعتبار أنه ذات ونفس والتأنيث المعنوي هو الذي لا يحسن أن يطلق عليهم وأما اللفظ فلا مانع منه كيف وهم المسمون بالملائكة ، والوصف المذكور منزل منزلة اللازم على أن المراد إيقاع نفس الفعل من غير قصد إلى المفعول أي الفاعلان للصفوف أو المفعول محذوف أي الصافات أنفسها أي الناظمات لها في سلك الصفوف بقيامها في مقاماتها المعلومة حسبما ينطق به قوله تعالى : { وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] وذلك باعتبار تقديم الرتبة والقرب من حظيرة القدس أو الصافات أنفسها القائمات صفوفاً للعبادة ، وقيل : الصافات أقدامها للصلاة ، وقيل : الصافات أجنحتها في الهواء منتظرات أمر الله تعالى ، وقيل : المراد بالصافات الطير من قوله تعالى : { والطير صافات } [ النور : 41 ] ولا يعول على ذلك ، و { صَفَّا } مصدر مؤكد وكذا { زَجْراً } في قوله تعالى :
ومن باب الإشارة : في الآيات ما قالوا : { والصافات صَفَّا } [ الصافات : 1 ] هي الأرواح الكاملة المكملة من الصف الأول وهو صف الأنبياء عليهم السلام والصف الثاني وهو صف الأصفياء .
قوله تعالى : { والصافات صفا } قال ابن عباس رضي الله عنهما ، والحسن ، وقتادة : هم الملائكة في السماء يصفون كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة .
أخبرنا عمر بن عبد العزيز القاشاني ، أنبأنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ، أخبرنا أبو علي محمد بن العلاء ، أخبرنا أحمد اللؤلؤي ، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، حدثنا زهير قال : سألت سليمان الأعمش عن حديث جابر عن سمرة في الصفوف المقدمة فحدثنا عن المسيب بن رافع بن طرفة عن جابر عن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم ؟ قلنا : وكيف تصف الملائكة عند ربهم ؟ قال : يتمون الصفوف المقدمة ويتراصون في الصف " وقيل : هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمرها الله تعالى بما يريده . وقيل : هي الطيور ، دليله قوله تعالى : { والطير صافات } .
هذه السورة مكية ، وفيها من ألوان التحذير والتنذير والتخويف ما فيها . وكذلك من صور التنبيه والتنديد والزجر ما يهيج الحس والوجدان ويستديم الحذر والوجل مما هو قادم ومنتظر .
والسورة مبدوءة بالقسم العظيم من الله ذي الجبروت ، بالصافات وهي الملائكة المصطفة للصلاة ، الزاجرات عن المعاصي ، على أن الله واحد لا شريك له ، وهو سبحانه رب كل شيء وخالقه وموجده .
وفي السورة تنديد بالمشركين المكذبين الذين يستسخرون من آيات الله ويتخذونها هزوا ، أولئك قد أعدَّ الله لهم سوء العذاب يوم القيامة ؛ حيث النار اللاهبة المستعرة ، وحيث الزّقوم ، ذلكم الطعام الخبيث المسموم ، طعام الآثمين الخاسرين .
وفي السورة ذكر مقتضب لبعض المرسلين ، ومن أظهرهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ؛ إذ رأى في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل عليه السلام فاستجاب الولد الزكي البارُّ الطهور لأمر ربه ولم يتردد ، فلما تلَّه للجبين وأراد أن يذبحه فداه الله بذبْحٍ عظيم .
وفيها قصة يونس عليه السلام الذي تولى عن قومه مُغاضبا فيمم شطر البحر فركب السفينة مع طائفة من الناس فقارعهم فكان من المغلوبين في القرعة فالتقمه الحوت عقيب إلقائه في البحر .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى : { وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ( 1 ) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ( 2 ) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ( 3 ) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ( 4 ) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ( 5 ) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ( 6 ) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ ( 7 ) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ( 8 ) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ( 9 ) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } .
أقسم الله بالصافات وهي الملائكة تصف أقدامها في الصلاة ، وقيل : تصف أجنحتها في الهواء تنتظر الأمر من الله و { صفًّا } مصدر مؤكد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.