{ إِنَّا كُلَّ شيء } من الأشياء { خلقناه بِقَدَرٍ } أي مقدراً مكتوباً في اللوح قبل وقوعه ، فالقدر بالمعنى المشهور الذي يقابل القضاء ، وحمل الآية على ذلك هو المأثور عن كثير من السلف ، وروى الإمام أحمد . ومسلم . والترمذي . وابن ماجه عن أبي هريرة قال : «جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت { يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النار على وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَرٍ } [ القمر : 48 ، 49 ] » وأخرج البخاري في «تاريخه » . والترمذي وحسنه . وابن ماجه . وابن عدي . وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية " أنزلت فيهم آية في كتاب الله { إِنَّ المجرمين في ضلال وَسُعُرٍ } [ القمر : 47 ] إلى آخر الآيات ، وكان ابن عباس يكره القدرية جداً ، أخرج عبد بن حميد عن أبي يحيى الأعرج قال سمعت ابن عباس وقد ذكر القدرية يقول : لو أدركت بعضهم لفعلت به كذا وكذا ثم قال : الزنا بقدر . والسرقة بقدر . وشرب الخمر بقدر .
وأخرج عن مجاهد أنه قال ؛ قلت لابن عباس : ما تقول فيمن يكذب بالقدر ؟ قال : أجمع بيني وبينه قلت : ما تصنع به ؟ قال : أخنقه حتى أقتله ، وقد جاء ذمهم في أحاديث كثيرة ، منها ما أخرجه أحمد . وأبو داود . والطبراني عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لكل أمة مجوس ومجوس أمتي الذين يقولون لا قدر إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم " . وجوز كون المعنى إنا كل شيء خلقناه مقدراً محكماً مستوفى فيه مقتضى الحكمة التي يدور عليها أمر التكوين ، فالآية من باب { وَخَلَقَ كُلَّ شيء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [ الفرقان : 2 ] ونصب { كُلٌّ } بفعل يفسره ما بعده أي إنا خلقنا كل شيء خلقناه ، وقرأ أبو السمال قال : ابن عطية . وقوم من أهل السنة برفع كل وهو على الابتداء ، وجملة { خلقناه } هو الخبر ، و { بِقَدَرٍ } متعلق به كما في القراءة المتواترة ، فتدل الآية أيضاً على أن كل شيء مخلوق بقدر ولا ينبغي أن تجعل جملة خلقناه صفة ، ويجعل الخبر { بِقَدَرٍ } لاختلاف القراءتين معنى حينئذ ، والأصل توافق القراآت ، وقال الرضى : لا يتفاوت المعنى لأن مراده تعالى بكل شيء كل مخلوق سواء نصب { كُلٌّ } أو رفعته وسواء جعلت { خلقناه } صفة مع الرفع ، أو خبراً عنه ، وذلك إن خلقنا كل شيء بقدر لا يريد سبحانه به خلقنا كل ما يقع عليه اسم شيء لأنه تعالى لم يخلق جميع الممكنات غير المتناهية واسم الشيء يقع على كل منها ، وحينئذ نقول : إن معنى { كُلَّ شَىْء خلقناه بِقَدَرٍ } على أن خلقناه هو الخبر { كُلٌّ } مخلوق مخلوق { بِقَدَرٍ } وعلى أن { خلقناه } صفة { كُلّ شَىْء } مخلوق كائن { بِقَدَرٍ } والمعنيان واحد إذ لفظ { كُلٌّ } في الآية مختص بالمخلوقات سواء كان { خلقناه } صفة له أو خبراً ، وتعقبه السيد السند قدس سره بأنه لقائل أن يقول : إذا جعلنا { خلقناه } صفة كان المعنى { كُلٌّ } مخلوق متصف بأنه مخلوقنا كائن بقدر ، وعلى هذا لا يمتنع نظراً إلى هذا المعنى أن يكون هناك مخلوقات غير متصفة بتلك الصفة فلا تندرج تحت الحكم ، وأما إذا جعلناه خبراً أو نصبنا { كُلّ شَىْء } فلا مجال لهذا الاحتمال نظراً إلى نفس المعنى المفهوم من الكلام فقد اختلف المعنيان قطعاً ولا يجديه نفعاً أن كل مخلوق متصف بتلك الصفة في الواقع لأنه إنما يفهم من خارج الكلام ولا شك أن المقصود ذلك المعنى الذي لا احتمال فيه ، وذكر نحوه الشهاب الخفاجي ولكون النصب نصاً في المقصود اتفقت القراآت المتواترة عليه مع احتياجه إلى التقدير وبذلك يترجح على الرفع الموهم لخلافه وإن لم يحتج إليه .
ويقال لهم : { ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر } يعني : ما خلقناه فمقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ ، قال الحسن : قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له .
أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين القرشي ، أنبأنا مسلم بن غالب بن علي الرازي ، أنبأنا أبو معشر يعقوب بن عبد الجليل بن يعقوب ، حدثنا أبو يزيد حاتم بن محبوب ، أنبأنا أحمد بن نصر النيسابوري ، أنبأنا عبد الله بن الوليد العدني ، أنبأنا الثوري عن زياد بن إسماعيل السهمي عن محمد بن عباد المخزومي عن أبي هريرة قال : جاءت مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت الآية : { إن المجرمين في ضلال وسعر } إلى قوله : { إنا كل شيء خلقناه بقدر } .
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أنبأنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد شريك الشافعي الخدشاهي ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الجويدري ، أنبأنا يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، أنبأنا عبد الله بن وهب ، أخبرني أبو هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الجيلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، قال : وكان عرشه على الماء " .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنبأنا زاهر بن أحمد ، أنبأنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنبأنا أبو مصعب عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني قال : أدركت ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : كل شيء بقدر الله ، قال وسمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنه يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل شيء بقدر حتى العجز والكيس ، أو الكيس والعجز " .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ، أنبأنا أحمد بن حازم بن أبي عروة أنبأنا يعلى بن عبيد ، وعبد الله بن موسى وأبو نعيم عن سيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع : يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ، ويؤمن بالبعث بعد الموت ، ويؤمن بالقدر زاد عبد الله خيره وشره " . ورواه أبو داود عن شعبة عن منصور وقال : عن ربعي عن علي ولم يقل : عن رجل ، وهذا أصح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.