روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاعين } أي النظرة الخائنة كالنظرة إلى غير المحرم واستراق النظر إليه وغير ذلك فخائنة صفة لموصوف مقدر ، وجعل النظرة خائنة إسناد مجازي أو استعارة مصرحة أو مكنية وتخييلية بجعل النظر بمنزلة شيء يسرق من المنظور إليه ولذا عبر فيه بالاستراق ، ويجوز أن يكون خائنة مصدراً كالكاذبة والعاقبة والعافية أي يعلم سبحانه خيانة الأعين ، وقيل : هو وصف مضاف إلى موصوفه كما في قوله

: وإن سقيت كرام الناس فاسقينا *** أي يعلم سبحانه الأعين الخائنة ولا يحسن ذلك لقوله تعالى : { وَمَا * بِذَاتِ الصدور } أي والذي تخفيه الصدور من الضمائر أو إخفاء الصدور لما تخفيه من ذلك لأن الملاءمة واجبة الرعاية في علم البيان وملائم الأعين الخائنة الصدور المخفية ، وما قيل في عدم حسن ذلك من أن مقام المبالغة يقتضي أن يراد استراق العين ضم إليه هذه القرينة أولاً فغير قادح في التعليل المذكور إذ لا مانع من أن يكون على مطلوب دلائل ثم لولا القرينة لجاز أن تجعل الأعين تمهيداً للوصف فالقرينة هي المانعة وهذه الجملة على ما في «الكشاف » متصلة بأول الكلام خبر من أخبار هو في قوله تعالى : { هُوَ الذي يُرِيكُمُ } [ الرعد : 13 ] على معنى هو الذي يريكم الخ وهو يعلم خائنة الأعين ولم يجعله تعليلاً لنفي الشفاعة على معنى ما لهم من شفيع لأن الله تعالى يعلم منهم الخيانة سراً وعلانية قيل : لأنه لا يصلح تعليلاً لنفيها بل لنفي قبولها فإن الله تعالى هو العالم لا الشفيع والمقصود نفي الشفاعة ، ووجه تقرير هذا الخبر في هذا الموضع ما فيه من التخلص إلى ذم آلهتهم مع أن تقديمه على { الذي يُرِيكُمُ } لا وجه له لتعلقه بما قبله أشد التعلق كما أشير إليه وكذلك على { رَفِيعُ الدرجات } [ غافر : 15 ] لاتصاله بالسابق وأمر المنيبين بالإخلاص ولما فيه من النبو من توسيط المنكر الفعلي بين المبتدأ وخبره المعرف الإسمي ، وأما توسيطه بين القرائن الثلاث فبين العصا ولحائها فلا موضع له أحق من هذا ولا يضر البعد اللفظي في مثل ذلك كما لا يخفى ، وظن بعضهم ضرره فمنهم من قال : الجملة متصلة بمجموع قوله عز وجل : { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الازفة } [ غافر : 18 ] إلى آخره ، وذلك أنه سبحانه لما أمر بإنذار ذلك اليوم وما يعرض فيه من شدة الكرب والغم وذكر تعالى أن الظالم لا يجد من يحميه من ذلك ولا من يشفع له ذكر جل وعلا اطلاعه على جميع ما يصدر من العبد وإنه مجازي بما عمل ليكون على حذر من ذلك اليوم إذا علم أن الله تعالى مطلع على أعماله وإلى هذا ذهب أبو حيان .

وقال ابن عطية : هي متصلة بقوله تعالى : { سَرِيعُ الحساب } [ غافر : 17 ] لأن سرعة حسابه تعالى للخلق إنما هي لعلمه تعالى الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكر ولا لشيء مما يحتاجه المحاسبون ، وحكى رحمه الله تعالى عن فرقة أنها متصلة بقوله تعالى : { لا يخفى على الله منهم شيء } ثم قال : وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه البعد وكثرة الحائل ، وجعلها بعض متثلة بنفي قبول الشفاعة الذي تضمنه قوله تعالى : { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [ غافر : 18 ] فإن { يُطَاعُ } المنفي بمعنى تقبل شفاعته على أنها تعليل لذلك أي لا تقبل شفاعة شفيع لهم لأن الله تعالى يعلم منه الخيانة سراً وعلانية وليست تعليلاً لنفي الشفاعة ليرد ما قيل ، ولا يخفى ما فيه ، ولعمري أن جار الله في مثل هذا المقام لا يجارى .

ومن باب الإشارة : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الاعين وَمَا تُخْفِى الصدور } [ غافر : 19 ] خائنة أعين المحبين استحسانهم تعمد النظر إلى غير المحبوب باستحسان واستلذاذ وما تخفيه الصدور من متمنيات النفوس ومستحسنات القلوب ومرغوبات الأرواح

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يعلم خائنة الأعين} يعني الغمزة فيما لا يحل بعينه والنظرة في المعصية.

{وما تخفي الصدور} يعني وما تسر القلوب من الشر.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"يَعْلَمُ خائِنَةَ الأَعْيُنِ" يقول جلّ ذكره مخبرا عن صفة نفسه: يعلم ربكم ما خانت أعين عباده، وما أخفته صدورهم، يعني: وما أضمرته قلوبهم يقول: لا يخفى عليه شيء من أمورهم حتى ما يحدّث به نفسه، ويضمره قلبه إذا نظر ماذا يريد بنظره، وما ينوي ذلك بقلبه. "وَاللّهُ يَقْضِي بالحَقّ "يقول: والله تعالى ذكره يقضي في الذي خانته الأعين بنظرها، وأخفته الصدور عند نظر العيون بالحق، فيجزي الذين أغمضوا أبصارهم، وصرفوها عن محارمه حذارَ الموقف بين يديه، ومسألته عنه بالحُسنى، والذين ردّدوا النظر، وعزمت قلوبهم على مواقعة الفواحش إذا قدَرت جزاءها...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ}، الخائنة والخيانة واحدة، وهي ما قال عز وجل: {ولا تزال تطّلع على خائنةٍ منهم إلا قليلا} [المائدة: 13] أي خيانة.

وقال بعضهم: هي النظرة بعد النظرة؛ أما الأولى فليس فيها شيء، وأما الثانية، فعليه مأثمها...

وقال بعضهم: {خائنة الأعين} هي التي ينتظر بها غفلة الناس، إذا غفلوا عنه، نظر إلى ما يهواه ويحبه.

{وما تُخفي الصدور} هو ما ذكر عز وجل: {ليعلم ما تُكنّ صدورهم وما يُعلنون} [النمل: 74. والقصص: 69] يذكر هذا ليكونوا أبدا مراقبين أنفسهم حافظين لها عما لا يحل من السمع والبصر والفؤاد...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} والمعنى أنه سبحانه عالم لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، والحاكم إذا بلغ في العلم إلى هذا الحد كان خوف المذنب منه شديدا جدا...

والمراد بقوله {وما تخفي الصدور} مضمرات القلوب، والحاصل أن الأفعال قسمان: أفعال الجوارح وأفعال القلوب، أما أفعال الجوارح، فأخفاها خائنة الأعين، والله أعلم بها، فكيف الحال في سائر الأعمال، وأما أفعال القلوب، فهي معلومة لله تعالى لقوله {وما تخفي الصدور} فدل هذا على كونه تعالى عالما بجميع أفعالهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كانت الشفاعة إنما تقع وتنفع بشرط براءة المشفوع له من الذنب، إما بالاعتراف بما نسب إليه والإقلاع عنه، وإما بالاعتذار عنه، وكان ذلك إنما يجري عند المخلوقين على الظاهر، ولذلك كانوا ربما وقع لهم الغلط فيمن لو علموا باطنه لما قبلوا الشفاعة فيه، علل تعالى ما تقدم بعلمه أن المشفوع له ليس بأهل لقبول الشفاعة فيه لإحاطة علمه فقال: {يعلم خائنة} ولما كان السياق هنا للإبلاغ في أن علمه تعالى محيط بكل كلي وجزئي، فكان من المعلوم أن الحال يقتضي جمع الكثرة، وأنه ما عدل عنه إلى جمع القلة إلا للإشارة إلى أن علمه تعالى بالكثير كعلمه بالقليل، الكل عليه هين، فالكثير عنده في ذلك قليل فلذا قال: {الأعين} أي خيانتها التي هي أخفى ما يقع من أفعال الظاهر، جعل الخيانة مبالغة في الوصف وهي الإشارة بالعين.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والعين الخائنة تجتهد في إخفاء خيانتها. ولكنها لا تخفى على الله والسر المستور تخفيه الصدور، ولكنه مكشوف لعلم الله.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

حقيقة الخيانة: عمل مَن أؤتُمِن على شيء بضد مَا أؤتُمنَ لأجله، بدون علم صاحب الأمانة، ومن ذلك نقضُ العهد بدون إعلان بنبذه، ومعنى: {خائِنة الأعين} خيانة النظر، أي مسارقة النظر لشيء بحضرة من لا يحب النظر إليه، فإضافة {خائنة} إلى {الأعين} من إضافة الشيء إلى آلتِه كقولهم: ضرب السيف، والمراد ب {خائنة الأعين} النظرة المقصود منها إشعار المنظور إليه بما يسوء غيرها الحاضرَ استهزاء به أو إغراء به، وإطلاق الخائنة بمعنى الخيانة على هذه النظرة استعارة مكنية، شبه الجليس بالحليف في أنه لما جلس إليك أو جلست إليه، فكأنه عاهدك على السلامة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم « ما يَكون لنبي أن تكون له خَائنة الأعين»، أي لا تصدر منه.

{وما تُخفي الصدور} النوايا والعزائم التي يضمرها صاحبها في نفسه، فأطلق الصدر على ما يكنّ الأعضاء الرئيسية على حسب اصطلاح أصحاب اللغة.