فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

ثم وصف سبحانه شمول علمه بكل شيء وإن كان في غاية الخفاء فقال :

{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ } وهي مسارقة النظر على ما لا يحل له النظر إليه ، والخائنة مصدر كالعافية والكاذبة ، أي يعلم خائنة الأعين ، والجملة خبر آخر لقوله : هو الذي يريكم ، أو خبر رابع عن المبتدأ الذي أخبر برفيع وما بعده عنه ، والأول هو الظاهر ، وقيل غير ذلك ، قال المؤرج : فيه تقديم وتأخير أي يعلم الأعين الخائنة . وقيل : الإضافة على معنى من ، أي : الخائنة من الأعين ، قال قتادة : خائنة الأعين الهمز بالعين فيما لا يحب الله ، وقال الضحاك : هو قول الإنسان : ما رأيت ، وقد رأى ، ورأيت ، وما رأى . وقال السدي : إنه الرمز بالعين ، وقال سفيان : هي النظرة بعد النظرة ، وبه قال الفراء والأول أولى ، وبه قال مجاهد قال ابن عباس في الآية : ( الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها ، وإذا غضوا نظر إليها ، وإذا نظروا غض بصره عنها ، وقد اطلع الله من قلبه أنه ود أن ينظر إلى عورتها أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم .

وأخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في الشعب عنه في الآية قال : ( إذا نظر إليها يريد الخيانة أم لا ؟ وما تخفي الصدور ، قال : إذا قدر عليها أيزني لها أم لا ؟ ألا أخبركم بالتي تليها ؟ والله يقضي بالحق ، قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة ، وبالسيئة السيئة .

وأخرج أبو داود والنسائي وابن مردويه عن سعد قال لما كان يوم فتح مكة أمن النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال : اقتلوهم ، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فاختبأ عند عثمان بن عفان ، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به فقال : ( يا رسول الله بايع عبد الله ، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى بيعته ثم بايعه ، ثم أقبل على أصحابه فقال أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله ، فقالوا ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك ؟ هلا أومأت إلينا بعينك فقال إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة أعين ) .

{ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } أي القلوب من الضمائر ، وتستره وتكنه ، وتضمره عن معاصي الله أو من أمانة وخيانة أو النظرة الأولى ، أو هل يزني بها لو خلا بها أو لا ؟