الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

قوله : { يَعْلَمُ } : فيه أربعةُ أوجهٍ ، أحدُها : - وهو الظاهر - أنه خبرٌ آخرُ عن " هو " في قوله : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } . قال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : بِمَ اتَّصلَ قولُه : { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأَعْيُنِ } ؟ قلت : هو خبرٌ من أخبارِ " هو " في قولِه : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ } مثل : { يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ }

[ غافر : 15 ] ولكنْ " يُلْقي الروحَ " قد عُلِّلَ بقولِه : " لِيُنْذِرَ " ثم استطرد لذِكْرِ أحوالِ يومِ التَّلاقِ إلى قوله : { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } فبَعُدَ لذلك عن أخواته " .

الثاني : أنه مُتَّصلٌ بقولِه : " وأَنْذِرْهم " لَمَّا أُمِرَ بإنذاره يوم الآزفة وما يَعْرِضُ فيه مِنْ شدَّة الغمِّ والكَرْبِ ، وأنَّ الظالمَ لا يجدُ مَنْ يَحْميه ، ولا شفيعَ له ، ذَكَر اطِّلاعَه على جميع ما يَصْدُر مِنَ الخلقِ سِرّاً وجَهْراً . وعلى هذا فهذه الجملةُ لا محلَّ لها لأنها في قوة التعليلِ للأمرِ بالإِنذار .

الثالث : أنها متصلةٌ بقولِه { سَرِيعُ الْحِسَابِ } [ غافر : 17 ] .

الرابع : أنها متصلة بقولِه : { لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } [ غافر : 16 ] . وعلى هذين الوجهين فيُحْتمل أَنْ تكونَ جاريةً مَجْرَى العلةِ ، وأنْ تكونَ في محلِّ نصبٍ على الحال .

وخائنةُ الأَعْيُن فيه وجهان ، أحدهما : أنه مصدرٌ كالعافيةِ ، أي : يَعْلَمُ خيانةَ الأعين . / والثاني : أنها صفةٌ على بابِها ، وهو مِنْ بابِ إضافةِ الصفةِ للموصوفِ ، والأصلُ : الأعين الخائنة ، كقوله :

3922 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وإن سَقَيْتِ كِرامَ الناسِ فاسْقِينا

وقد رَدَّه الزمخشريُّ وقال : " لا يَحْسُنُ أَنْ يُراد : الخائنة من الأعين ؛ لأنَّ قولَه : { وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } لا يُساعِدُ عليه " يعني أنه لا يناسِبُ أن يقابلَ المعنى إلاَّ بالمعنى . وفيه نظرٌ ؛ إذ لقائلِ أَنْ يقولَ : لا نُسَلِّمُ أنَّ " ما " في { وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } مصدريةٌ حتى يَلْزَمَ ما ذكره ، بل يجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى الذي ، وهو عبارةٌ عن نفس ذلك الشيءِ المَخْفِيِّ ، فيكونُ قد قابَلَ الاسمَ غيرَ المصدرِ بمثلهِ .