وقوله : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعين } مُتَّصِلٌ بقوله : { سَرِيعُ الحساب } [ غافر : 17 ] وقالتْ فرقة : { يَعْلَمُ } متصلٌ بقوله : { لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيء } وهذا قولٌ حسنٌ يقوِّيهِ تَنَاسُبُ المَعْنَيينِ ، ويُضَعِّفُه بُعْدُ الآيةِ من الآيةِ وكَثْرَةُ الحائِل ، والخائنةُ : مصدرٌ كالخِيَانَةِ ، ويحتمل أن تكونَ { خَائِنَةَ } اسمَ فاعِل ، أي : يعلم الأعين إذا خانتْ في نظَرِها ، قال أبو حَيَّان : والظاهرُ أن : { خَائِنَةَ الأعين } من إضافةِ الصفةِ إلى الموصوفِ ، أي : الأَعْيُنِ الخائنة ، كقوله
وَإنْ سَقَيْتِ كِرَامَ النَّاسِ فاسقينا ***
أي : الناسَ الكرامَ ، وجوَّزُوا أن يكونَ { خَائِنَةَ } مصدراً ، كالعافية أي : يعلم خِيانَةَ الأعينِ ، انتهى ، وهذه الآيةُ عِبَارَةٌ عَن عِلم اللَّهِ تعالى بجميعِ الخفيَّاتِ ، فمِنْ ذَلِكَ كَسْرُ الجُفُونِ والغَمْزُ بالعَيْنِ ، أو النظرةُ التي تُفْهِمُ معنًى ؛ ومنه قولُ النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابِه في شَأْنِ رَجُلٍ ارتد ثمَّ جَاء لِيُسْلِمَ : " هَلاَّ قَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْكُمْ حِينَ تَلَكَّأْتُ عَنْهُ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ ؟ فقالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلاَ أَومَأْتَ إلَيْنَا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ " ، وفي بعضِ الكتبِ المنزَّلةِ مِنْ قَولِ اللَّه عزَّ وجلَّ : أَنَا مِرْصَادُ الْهِمَمِ أَنَا العَالِمُ بِمَجَالِ الْفِكْرِ وَكَسْرِ الجُفُونِ ، وقال مجاهدٌ : ( خائنة الأعين ) : مُسَارَقَةُ النظرِ إلى مَا لاَ يَجُوزُ ، ثم قَوَّى تعالى هذا الإخبارَ بقولهِ : { وَمَا تُخْفِى الصدور } مما لمْ يَظْهَر على عينٍ ولا غَيْرِهَا ، وأسند أبو بكر بن الخَطِيبِ عن مولى أمِّ مَعْبَدٍ الخُزَاعِيَّةِ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو : " اللهمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنَ النِّفَاقِ ، وَعَمَلِي مِنَ الرِّيَاءِ ، وَلِسَانِي مِنَ الكَذِبِ ، وعَيْنِي مِنَ الخِيَانَةِ ؛ فإنَّكَ تَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُدُورُ " ، انتهى . قال القُشَيْرِيُّ في : «التحبير » : " وَمَنْ عَلِمَ اطِّلاَعَ الحقِّ تعالى عليه يكونُ مُرَاقِباً لربِّهِ ؛ وعلامتُه أنْ يكونَ مُحَاسِباً لِنَفْسِهِ ، ومَنْ لم تَصِحَّ محاسبتُهُ ، لم تصحَّ مراقبتُهُ ، وسُئِلَ بعضُهُمْ عَمَّا يَسْتَعِينُ به العبدُ على حفظِ البصر ، فقال : يَسْتَعِينُ عليه بعلمِه أنَّ نظرَ اللَّه إليه سَابِقٌ على نظرِهِ إلى مَا ينظرُ إليه " انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.