البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ} (19)

{ يعلم خائنة الأعين } ، كقوله :

وإن سقيت كرام الناس فاسقينا . . .

أي الناس الكرام ، وجوزوا أن تكون خائنة مصدراً ، كالعافية والعاقبة ، أي يعلم خيانة الأعين .

ولما كانت الأفعال التي يقصد بها التكتم بدنية ، فأخفاها خائنة الأعين من كسر جفن وغمز ونظر يفهم معنى ويريد صاحب معنى آخر وقلب ، وهو ما تحتوي عليه الضمائر ، قسم ما ينكتم به إلى هذين القسمين ، وذكر أن علمه متعلق بهما التعلق التام .

وقال الزمخشري : ولا يحسن أن يراد الخائنة من الأعين ، لأن قوله : { وما تخفي الصدور } لا يساعد عليه .

انتهى ، يعني أنه لا يناسب أن يكون مقابل المعنى إلا المعنى ، وتقدم أن الظاهر أن يكون التقدير الأعين الخائنة ، والظاهر أن قوله : { يعلم خائنة الأعين } الآية متصل بما قبله ، لما أمر بإنكاره يوم الآزفة ، وما يعرض فيه من شدة الكرب والغم ، وأن الظالم لا يجد من يحميه من ذلك ، ولا من يشفع له .

ذكر اطلاعه تعالى على جميع ما يصدر من العبد ، وأنه مجازي بما عمل ، ليكون على حذر من ذلك اليوم إذا علم أن الله مطلع على أعماله .

وقال ابن عطية : { يعلم خائنة الأعين } متصل بقوله : { سريع الحساب } ، لأن سرعة حسابه للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكر ، ولا لشيء مما يحتاجه المحاسبون .

وقالت فرقة : يعلم متصل بقوله : { لا يخفي على الله منهم شيء } ، وهذا قول حسن ، يقويه تناسب المعنيين ، ويضعفه بعد الآية من الآية وكثرة الحائل . انتهى .

وقال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله : { يعلم خائنة الاعين } ؟ قلت : هو خبر من أخبار هو في قوله : { هو الذي يريكم البرق } مثل : { يلقي الروح } ، ولكن من يلقي الروح قد علل بقوله : { لينذر يوم التلاق } ، ثم أسقط وتذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله : { ولا شفيع يطاع } ، فبعد لذلك عن إخوانه . انتهى .

وفي بعض الكتب المنزلة ، انا مرصاد الهمم ، انا العالم بحال الفكر وكسر العيون .

وقال مجاهد : خائنة الأعين : مسارقة النظر إلى ما لا يجوز ؛ ومثل المفسرون خائنة الأعين بالنظر الثاني إلى حرمة غير الناظر ، وما تحفي الصدور بالنظر الأول الذي لا يمكن رفعه .