{ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } كلام مستقل محذوف منه أحد الجزأين أما الخبر وتقديره خير لهم أو أمثل ، وهو قول مجاهد ومذهب سيبويه . والخليل ، وأما المبتدأ وتقديره الأمر أو أمرنا طاعة أي الأمر المرضي لله تعالى طاعة ، وقيل : أي أمرهم طاعة معروفة وقول معروف أي معلوم حال أنه خديعة ، وقيل : هو حكاية قولهم قبل الأمر بالجهاد أي قالوا أمرنا طاعة ويشهد له قراءة أبي { يَقُولُونَ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } وذهب بعض إلى أن { أُوْلِى } [ محمد : 20 ] أفعل تفضيل مبتدأ و { لَهُمْ } صلته واللام بمعنى الباء { وطاعة } خبر كأنه قيل فأولى بهم من النظر إليك نظر المغشي عليه من الموت طاعة وقول معروف ، وعليه لا يكون كلاماً مستقلاً ولا يوقف على { عَرَّفَهَا لَهُمْ } ومما لا ينبغي أن يلتفت إليه ما قيل : إن { طَاعَةٌ } صفة لسورة في قوله تعالى : { فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ } [ محمد : 20 ] والمراد ذات طاعة أو مطاعة . وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بشيء لحيلولة الفصل الكثير بين الصفة والموصوف { فَإِذَا عَزَمَ الامر } أي جد والجد أي الاجتهاد لأصحاب الأمر إلا أنه أسند إليه مجازاً كما في قوله تعالى : { إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الامور } [ لقمان : 17 ] ومنه قول الشاعر :
قد جدت الحرب بكم فجدوا *** والظاهر أن جواب { إِذَا } قوله تعالى : { فَلَوْ صَدَقُواْ الله } وهو العامل فيها ولا يضر اقترانه بالفاء ولا تمنع من عمل ما بعدها فيما قبلها في مثله كما صرحوا به ، وهذا نحو إذا جاء الشتاء فلو جئتني لكسوتك ، وقيل : الجواب محذوف تقديره فإذا عزم الأمر كرهوا أو نحو ذلك قاله قتادة . وفي «البحر » من حمل { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } على أنهم يقولون ذلك خديعة قدر فإذا عزم الأمر ناقضوا وتعاصوا ، ولعل من يجعل القول السابق للمؤمنين في ظاهر الحال وهم المنافقون جوز هذا التقدير أيضاً ، وقدر بعضهم الجواب فاصدق وهو كما ترى ، وأياً ما كان فالمراد فلو صدقوا الله فيما زعموا من الحرص على الجهاد ولعلهم أظهروا الحرص عليه كالمؤمنين الصادقين ، وقيل : في قولهم : { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } ، وقيل : في إيمانهم { لَكَانَ } أي الصدق { خَيْراً لَّهُمْ } مما ارتكبوه وهذا مبني على ما في زعمهم من أن فيه خيراً وإلا فهو في نفس الأمر لا خير فيه .
ثم ندبهم تعالى إلى ما هو الأليق بحالهم ، فقال : { فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } أي : فأولى لهم أن يمتثلوا الأمر الحاضر المحتم عليهم ، ويجمعوا عليه هممهم ، ولا يطلبوا أن يشرع لهم ما هو شاق عليهم ، وليفرحوا بعافية الله تعالى وعفوه .
{ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ } أي : جاءهم الأمر جد ، وأمر محتم ، ففي هذه الحال لو صدقوا الله بالاستعانة به ، وبذل الجهد في امتثاله { لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } من حالهم الأولى ، وذلك من وجوه :
منها : أن العبد ناقص من كل وجه ، لا قدرة له إلا إن أعانه الله ، فلا يطلب زيادة على ما هو قائم بصدده .
ومنها : أنه إذا تعلقت نفسه بالمستقبل ، ضعف عن العمل ، بوظيفة وقته ، وبوظيفة المستقبل ، أما الحال ، فلأن الهمة انتقلت عنه إلى غيره ، والعمل تبع للهمة ، وأما المستقبل ، فإنه لا يجيء حتى تفتر الهمة عن نشاطها فلا يعان عليه .
ومنها : أن العبد المؤمل للآمال المستقبلة ، مع كسله عن عمل الوقت الحاضر ، شبيه بالمتألي الذي يجزم بقدرته ، على ما يستقبل من أموره ، فأحرى به أن يخذل ولا يقوم بما هم به ووطن نفسه{[788]} عليه ، فالذي ينبغي أن يجمع العبد همه وفكرته ونشاطه على وقته الحاضر ، ويؤدي وظيفته بحسب قدرته ، ثم كلما جاء وقت استقبله بنشاط وهمة عالية مجتمعة غير متفرقة ، مستعينا بربه في ذلك ، فهذا حري بالتوفيق والتسديد في جميع أموره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.