روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (123)

{ وَللَّهِ غَيْبُ * السموات والارض } أي أنه سبحانه يعلم كل ما غاب في السموات والأرض ولا يعلم ذلك أحد سواه جل وعلا { وَإِلَيْهِ } لا إلى غيره عز شأنه { يُرْجَعُ الامر } أي الشأن { كُلُّهُ } فيرجع لا محالة أمرك وأمرهم إليه ، وقرأ أكثر السبعة { يُرْجَعُ } بالبناء للفاعل من رجع رجوعاً { فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } فانه سبحانه كافيك ، والفاء لترتيب الأمر بالعبادة والتوكل على كون مرجع الأمور كلها إليه ، وقيل : على ذلك ، وكونه تعالى عالماً بكل غيب أيضاً ، وفي تأخير الأمر بالتوكل عن الأمر بالعبادة تنبيه على أن التوكل لا ينفع دونها وذلك لاْن تقدمه في الذكر يشعر بتقدمه في الرتبة أو الوقوع .

وقيل : التقديم والتأخير لأن المراد من العبادة امتثال سائر الأوامر من الإرشاد والتبليغ وغير ذلك ؛ ومن التوكل التولك فيه كأنه قيل : امتثل ما أمرت به وداوم على الدعوة والتبليغ وتوكل عليه في ذلك ولا تبال بالذين لا يؤمنون ولا سضق صدرك منهم { وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ } بتاء الخطاب على تغليب المخاطب ، وبذلك قرأ نافع . وأبو عامر . وحفص . وقتادة والأعرج . وشيبة . وأبو جعفر . والجحدري أي وما ربك بغافل عما تعمل أنت وما يعملون هم فيجازي كلا منك ومنهم بموجب الاستحقاق ، وقرأ الباقون من السبعة بالياء على الغيبة وذلك ظاهر ، هذا وفي زوائد الزهد لعبد الله بن أحمد بن حنبل . وفضائل القرآن لابن الضريس عن كعب أن فاتحة التوراة فاتحة الأنعام وخاتمتها خاتمة هود { وَللَّهِ غَيْبُ السموات والارض } إلى آخر السورة ، والله تعالى أعلم .

( ومن باب الإشارة ) :{ وَللَّهِ غَيْبُ السموات } على اختلاف معانيها { والارض } كذلك { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ } أي كل شأن من الشؤون فإن الكل منه { فاعبده } اسقط عنك حظوظ نفسك وقف مع الأمر بشرط الأدب { وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } لا تهتم بما قد كفيته واهتم بما ندبت إليه { وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا تَعْمَلُون } [ هود : 123 ] فيجازي كلا حسبما تقتضيه الحكمة والله تعالى ولي التوفيق وبيده أزمة التحقيق لا رب غيره ولا يرجى إلا خيره .

انتهى ما وفقنا له من تفسير هود بمنّ من بيده الكرم والجود ، ونسأله سبحانه أن ييسر لنا إتمام ما قصدناه ، ويوفقنا لفهم معاني كلامه على ما يحبه ويرضاه ، والحمد لله حق حمده ، والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده ، وعلى آله وصحبه وجنده وحزبه ، ما غردت الأقلام في رياض التحرير ، ووردت الأفهام من حياض التفسير .