ثم إنَّه تعالى ذكر خاتمة شريفة عالية جامعة لكل المطالب الشَّريفة فقال : { وَللَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض } [ هود : 123 ] أي : علم ما غاب من العبادِ ، أي : أن علمه نافذ في جميع الكليات والجزئيات ، والمعدومات ، والموجودات { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّه } في المعاد .
قرأ نافع{[19089]} وحفص " يُرجَع " بضم الياءِ وفتح الجيم ، أي : يرد . وقرأ الآخرون بفتح الياء وكسر الجيم ، أي : يعودٌ الأمرُ كلُّه إليه حتَّى لا يكون للخلق أمر . { فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } وثق به . { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } قرأ نافع وابن عامر وحفص " تَعْمَلُون " بالخطاب ، لأنَّ قبله " اعْمَلُوا " والباقون{[19090]} بالغيبة رجوعاً على قوله : { لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } وهذا الخلاف أيضاً في آخر النمل .
قال كعبُ الأحبار : خاتمة التَّوارة خاتمة سورة هود{[1]} . روى عكرمة عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما- قال أبو بكر - رضي الله عنه- : يا رسول الله قد شبت ، فقال صلى الله عليه وسلم " شَيَّبتْنِي هُودٌ والواقعةُ ، والمرسلاتُ ، وعمَّ يتَساءَلُون ، وإذا الشَّمسُ كُوِّرَتْ " {[2]} ويروى : " شَيَّبتْنِي هودٌ وأخواتها " {[3]} ويروى : " شَيَّبتْنِي هودٌ وأخواتها الحاقَّةُ ، والواقعةُ ، وعمَّ يتساءَلُون ، وهل أتاكَ حديث الغاشيةِ " {[4]} .
قال الحكيم : الغزع يورث الشَّيْب ، وذلك أنَّ الفزع يذهل النفس فينشف رطوبة الجسدِ ، وتحت كُلِّ شعره منبع ، ومنه يعرق ، فإذا انتشف الفزعُ رطوبته يبست المنابع ؛ فَيبس الشَّعر وابيض ، كما ترى الزَّرعَ بسقائه ، فإذا ذهب سقاءهُ يبس فابيض ، وإنَّما يبيض شعر الشيخ لذهاب رطوبته ويُبْس جلده ، فالنفس تذهل بوعيد الله بالأهوال ؛ فتذبل وينشَّف ماءها ذلك الوعيد والهول الذي جاء به ، ومنه تشيب ؛ قال تعالى :
{ يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً } [ المزمل : 17 ] وقال الأصمُّ : ما حلَّ بهم من عاجل أمر الله ، فأهلُ اليقين إذا تلوها تراءى على قلوبهم من ملكهِ وسلطانهِ البطش بأعدائهِ ، فلو ماتُوا من الفزع لحق له ، ولكن الله - تبارك وتعالى- يلطف بهم في الأحيان حتَّى يقرؤوا كلامهُ ، كذلك لآخر آية في سورة هود ، فإنَّ تلاوة هذه السُّورة ما يكشف لقلوب العارفين سلطانهُ وبطشهُ ما تذهل منه النفوس ، وتشيب منه الرءوس .
قال القرطبيُّ : وقيل : إنِّ الذي شَيَّبَ النبي صلى الله عليه وسلم من سورة " هود " قوله تعالى : { فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ } [ هود : 112 ] وقال عمرو بن أبي عمرو العبدي : قال يزيد بن أبان رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقرأت عليه سورة هود ، فلمَّا ختمتها قال لي " يا يزيدُ قرأت فأيْنَ البُكاء " {[5]} وأسند أبو محمد الدَّارمي في مسنده عن كعب -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقْرؤُوا سُورة هود يوم الجمعة " {[6]} والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.