تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (123)

وقوله تعالى : ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) قال بعض أهل التأويل : ولله غيب نزول العذاب وغيب ما في الأرض كأنه خرج جواب ما سألوه من العذاب كقوله : ( يستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب )[ العنكبوت : 53 ] وكقوله : ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين )[ يونس48و . . ] وكقوله : ( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين )[ العنكبوت : 29 ] قال[ في الأصل وم : فقال ] : ( ولله غيب السموات والأرض ) أي علم ذلك عند الله ؛ وهو[ في الأصل وم : و ] كقوله : ( قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم )[ الأنعام : 58 ] وأمثاله .

ويشبه أن يكون جواب ما تحكموا على الله من إنزال القرآن وجعل الرسالة في غيره كقوله : ( وقالوا لولا أنزل هذا القرآن رجل من القريتين عظيم )[ الزخرف : 31 ] وكقوله[ في الأصل وم : و ] : ( لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة )[ الفرقان : 32 ] فقال : ( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم ) الآية[ الزخرف : 32 ] وقال : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته )[ الأنعام : 124 ] .

فعلى ذلك قوله : ( ولله غيب السموات والأرض ) لا إلى الخلق ، والله أعلم بما أراد .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وإليه يرجع الأمر كله ) إليه يرجع أمر الخلق كله وتدبيرهم ( فاعبده ) أي اعبده في خاص نفسك ( وتوكل عليه ) في تبليغ الرسالة إليهم ؛ أي لا يمنعك كيدهم ومكرهم بك عن تبليغ الرسالة ، ولا تخافن منهم ، فإن الله يحفظك من كيدهم ومكرهم بك كقوله : ( والله يعصمك من الناس )[ المائدة : 67 ] .

[ وقوله تعالى ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( وما ربك بغافل عما تعلمون ) هذا ما يؤيد ما ذكرنا ؛ أي ما ربك بغافل عما يريدون بك من كيدهم ومكرهم ، بل يعلم ذلك ، وينصرك ، وينتصر منهم . وهو كقوله لموسى وهارون : ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) ( قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى ) ( قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى )[ طه : 44و45 و46 ] أي اسمع قوله وجوابه إياكما ، وأرى ما يفعل ؛ أي أنصركما ، فلا تخافا . فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .