البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ} (123)

لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، ولا حظ لمخلوق في علم الغيب .

وقرأ نافع وحفص : يرجع مبنياً للمفعول ، الأمر كله أمرهم وأمرك ، فينتقم لك منهم .

وقال أبو علي الفارسي : علم ما غاب في السموات والأرض ، أضاف الغيب إليهما توسعا انتهى .

والجملة الأولى دلت على أن علمه محيط بجميع الكائنات كليها وجزئيها حاضرها وغائبها ، لأنه إذا أحاط علمه بما غاب فهو بما حضر محيط ، إذ علمه تعالى لا يتفاوت .

والجملة الثانية دلت على القدرة النافذة والمشيئة .

والجملة الثالثة دلت على الأمر بإفراد من هذه صفاته بالعبادة الجسدية والقلبية ، والعبادة أولى الرتب التي يتحلى بها العبد .

والجملة الرابعة : دلت على الأمر بالتوكل ، وهي آخرة الرتب ، لأنه بنور العبادة أبصر أنّ جميع الكائنات معذوقة بالله تعالى ، وأنه هو المتصرف وحده في جميعها ، لا يشركه في شيء منها أحد من خلقه ، فوكل نفسه إليه تعالى ، ورفض سائر ما يتوهم أنه سبب في شيء منها .

والجملة الخامسة : تضمنت التنبيه على المجازاة ، فلا يضيع طاعة مطيع ولا يهمل حال متمرد .

وقرأ الصاحبان ، وحفص ، وقتادة ، والأعرج ، وشيبة ، وأبو جعفر ، والجحدري : تعملون بتاء الخطاب ، لأنّ قبله اعملوا على مكانتكم .

وقرأ باقي السبعة : بالياء على الغيبة ، واختلف عن الحسن وعيسى بن عمر .