وسميت بها لما فيها من التوحيد ولذا سميت أيضا بالأساس أصل لسائر أصول الدين وعن كعب كما قال الجاحظ بن رجب أسست السموات السبع والأرضون السبع على هذه السورة قل هو الله أحد ورواه الزمخشرى عن أبى وأنس مرفوعا ولم يذكره أحد من المحدثين المعتبرين كذلك وكيف كان المراد فالمراد به كمال قال ما خلقت السموات والأرضون إلا لتكون دلائل على توحيد الله تعالى ومعرفة صفاته التي تضمنتها هذه السورة وقيل معنى تأسيسها عليها انها انما خلقت بالحق كما قال تعالى وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق وهو العدل والتوحيد وهوان لم يرجع الى الاول لا يخلو عن نظر وقيل المراد أن مصحح ايجادهما أي بعد امكانهما الذاتى ما أشارت اليه السورة من وحدته عز وجل واستحالة ان يكون له سبحانه تعالى شريك اذ لولا ذلك لم يمكن وجودهما لا مكان التمانع كما قرره بعض الاجلة في توجيه برهانية قوله تعالى لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا وفيه بعد وتسمى أيضا سورة قل هو الله أحد كما هو مشهور يشير اليه الاثر أيضا والمقشقشة لما سمعت في تفسير سورة الكافرون وسورة التوحيد وسورة التفريد وسورة التجريد وسورة النجاة وسورة الولاية وسورة المعرفة لان معرفة الله تعالى انما تتم بمعرفة ما فيها وفي اثر أن رجلا صلى فقرأها فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ان هذا عبد عرف ربه وسورة الجمال قيل لما روى انه عليه الصلاة والسلام قال ان الله جميل يحب الجمال فسألوه صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك فقال احد صمد لم يلد ولم يولد ولا اظن صحة الخبر وسورة النسبة لورودها جوابا لمن قال انسب لنا ربك على ما ستسمعه ان شاء الله تعالى وقيل لما اخرجه الطبرانى من طريق عثمان بن عبد الرحمن الطرايفي عن الوازع بن نافع عن أبى سلمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لكل شيء نسبة ونسبة الله تعالى قل هو الله احد الله الصمد وهو كما قال الجاحظ ابن رجب ضعيف جدا وعثمان يروى المناكير وفي الميزان انه موضوع وسورة الصمد وسورة المعوذة لما أخرج النسائى والبزار وابن مردويه بسند صحيح عن عبد الله بن أنيس قال أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وضع يده على صدرى ثم قال قل فلم أدرى ما أقول ثم قال قل هو الله أحد فقلت حتى فرغت منها ثم قال قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق فقلت حتى فرغت منها ثم قال قل أعوذ برب الناس فقلت حتى فرغت منها فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هكذا فتعوذ وما تعوذ المتعوذون بمثلهم قط وسورة المانعة قيل لما روى ابن عباس أنه تعالى قال لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم حين عرج به أعطيتك سورة الاخلاص وهى من ذخائر كنوز عرشى وهى المانعة تمنع كربات القبر ونفحات النيران والظاهر عدم صحة هذا الخبر ويعارضه ما أخرجه ابن الضريس عن أبى أمامة أربع آيات نزلت من كنز العرش لم ينزل منه غيرهن أم الكتاب وآية الكرسى وخاتمة سورة البقرة والكوثر وحكمه حكم المرفوع بل أخرجه الشيخ ابن حبان والديلمى وغيرهما بالسند عن أبى أمامة مرفوعا وسورة المحضر قيل لان الملائكة عليهم السلام تحضر لاستماعها اذا قرئت وسورة المنفرة قيل لان الشيطان ينفر عند قرائتها وسورة البراءة قيل لما روى أنه عليه الصلاة والسلام رأي رجلا يقروها فقال أما هذا فقد بريء من الشرك ولم أدر من روى ذلك نعم روى أبو نعم من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة عن مهاجر قال سمعت رجلا يقول صحبت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في سفر فسمع رجلا يقرأ قل يا أيها الكافرون فقال قد برىء من الشرك وسمع آخر يقرأ قل هو الله أحد فقال غفر له وعليه فألحق بهذا الاسم سورة الكافرون ولعل الاولى أن يقال سميت بذلك لما في حديث الترمذي عن أنس من أراد أن ينام على فراشه فنام على يمينه ثم قرأ قل هو الله أحد مائة مرة كتب الله تعالى له براءة من النار وسورة المذكرة لأنها تذكر خالص التوحيد وسورة النور قيل لما روى من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم ان لكل شيء نورا ونور القرآن قل هو الله أحد وسورة الإيمان لأنه لا يتم بدون ما تضمنته من التوحيد وقد ذكر معظم هذه الاشياء الامام الرازي وبين وجه التسمية بها بما بين والرجل رحمه الله تعالى ليس بإمام في معرفة أحوال المرويات لا يميز غثها من سمينها أو لا يبالى بذلك فيكتب ما ظفر به وان عرف شدة ضعفه وهى مكية في قول عبد الله والحسن عكرمة وعطاء ومجاهد وقتادة مدنية في قول ابن عباس ومحمد ابن كعب وأبى العالية والضحاك قاله في البحر وخبر ابن عباس السابق ان صح ظاهر في انها عنده مكية وفي الاتقان فيها قولان لحديثين في سبب نزولها متعارضين وجمع بعضهم بينهما بتكرر نزولها ثم ظهر لى ترجيح انها مدنية ا ه وعلى ما في الكتابين لا يخفي ما في قول الدواني أنها مكية بالاتفاق من الدلالة على قلة الاطلاع وآيها خمس في المكى والشامى أربع في غيرهما ووضعت هنا قيل للوزان في اللفظ بين فواصلها ومقطع سورة المسد وقيل وهو الاولى انها متصلة بقل يا أيها الكافرون في المعنى فهما بمنزلة كلمة التوحيد في النفي الاثبات ولذا يسميان المقشقشتين وقرن بينهما في القراءة في صلوات كثيرة على ما قاله بعض الائمة كركعتى الفجر والطواف والضحى وسنة المغرب وصبح المسافر ومغرب ليلة الجمعة إلا انه فصل بينهما بالسورتين لما تقدم من الوجه ونحوه وكان في ايلائها سورة تبت ردا على أبى لهب بخصوصه وجاء في أخبار كثيرة تدل على مزيد فضلها منها ما تقدم آنفا وروى مبارك بن فضالة عن أنس ان لرجلا قال يا رسول الله انى أحب هذه السورة ( قل هو الله أحد ) قال ان حبك اياها أدخلك الجنة وأخرجه الامام أحمد في المسند عن أبى النضر عن مبارك المذكور عن أنس وذكر البخاري ان حبها يوجب دخول الجنة تعليقا وروى مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن قال سمعت ابا هريرة يقول أقبلت مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وجبت قلت وما وجبت قال الجنة وأخرجه النسائى والترمذى وقال حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث مالك وأخرج أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب عن بريدة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سمع رجلا يقول اللهم انى أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا اله الا انت الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الاعظم الذي اذا دعى به أجاب واذا سئل به اعطى وفي المسند عن محجن بن الادرع ان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دخل المسجد فإذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد ويقول انى أسألك يا الله الواحد الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي انك انت الغفور الرحيم فقال نبى الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاث مرات قد غفر له قد غفر له قد غفر له وأخرج البخاري ومالك وأبو داود والنسائي عن أبى سعيد ان رجلا سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح جاء الى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فذكر ذلك له وكان الرجل يتقالها فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والذي نفسى بيده انها لتعدل ثلث القرآن وأخرج أحمد والنسائى في اليوم والليلة من طريق هشيم عن ابى بن كعب أو رجل من الانصار قال رسول الله صلى تعالى عليه وسلم من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ بثلث القرآن وفي رواية يوسف بن عطية الصفار بسنده عن أبى مرفوعا من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن وكتب له من الحسنات بعدد من أشرك بالله تعالى وآمن به وجاء انهلا تعدل ثلث القرآن في عدة أخبار مرفوعة وموقوفة وفي المسند من طريق ابن لهيعة عن عن احرث بن يزيد عن أبى الهيثم عن أبى سعيد قال بات قتادة بن النعمان يقرأ الليلة كله بقل هو الله أحد فذكر ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال والذي نفسي بيده انها لتعدل نصف القرآن أو ثلثه وحمل على الشك من الراوي والروايات تعين الثلث واختلف في المراد بذلك فقيل المراد أنها باعتبار معناها ثلث من القرآن المجزأ الى ثلاثة لا أن ثواب قراءتها ثلث ثواب القرآن والى هذا ذهب جماعة لكنهم اختلفوا في بيان ذلك فقيل أن القرآن يشتمل على قصص وأحكام وعقائد وهى كالها مما يتعلق بالعقائد فكانت ثلثا بذلك الاعتبار وقال االغزالى في الجواهر ما حاصله هى عدل ثلثه باعتبار أنواع العلوم الثلاثة التي هى أم القرآن علم المبدأ وعلم المعاد وعلم ما بينهما أعنى علم الصراط المستقيم وقال الجونى المطالب التي في القرآن معظمها الاصول الثلاثة اتى بها يصح الاسلام ويحصل الإيمان وهى معرفة الله تعالى والاعتراف بصدق رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم واعتقاد القيام بين يديه وهذه السورة تفيد الاصل الاول فهى ثلثه من هذا الوجه وقيل القرآن قسمان خبر وإنشاء والخبر قسمان خبر عن الخالق وخبر عن المخلوق فهذه ثلاثة أثلاث وسورة الاخلاص أخلصت الخبر عن الخالق فهى بهذا الاعتبار ثلث وهذا كما ترى وأياما كان قيل لا تنافي بين رواية الثلث ورواية عدل القرآن كله المذكورة في الكشاف على تقدير ثبوتها لجواز ان يقال هى عدل القرآن باعتبار ان المقصود التوحيد وما دعاه ذرائع اليه ويؤيد اعتبار الاجزاء انفسها دون الثواب ما في صحيح مسلم من طريق قتادة عن أبى الدرداء أن رسول الله صلى اله تعالى عليه وسلم قال أيعجز أحدكم ان يقرأ كل يوم ثلث القرآن قالوا نعم قال فان الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فقل هو الله أحد ثلث القرآن وقيل المراد تعدل الثلث ثوابا بالظواهر الاحاديث وضعف ذلك ابن عقيل وقال لا يجوز أن يكون المعنى فله أجر ثلث القرآن لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات فيكون ثواب قراءة القرآن بتمامه أضعافا مضاعفة بالنسبة لثواب قراءة هذه السورة والدوانى أورد هذا اشكالا على هذا القول ثم أجاب بان للقارئ ثوابين تفصيليا بحسب قراءة الحروف وإجماليا بسب ختمه القرآن فثواب ( قل هو الله أحد ) يعدل ثلث ثواب الختم الاجمالى لا غيره ونظيره اذا عين أحد لمن يبنى له دارا في كل يوم دنانير وعين له اذا أتمه جائزة أخرى غير أجرته اليومية وفي شرح البخاري للكرمانى فان قلت المشقة في قراءة الثلث أكثر منها في قراءتها فكيف يكون حكمه حكمها قلت يكون ثواب قراءة الثلث بعشر وثواب قراءتها بقدر ثواب مرة منها لان التشبيه في الاصل دون الزائد وتسع منها في مقابلة زيادة المشقة وقال الخفاجى بعد أن قال ليس فيما ذكر ما يثلج الصدر ويطمئن له البال والذي عندي في ذلك ان للنظر في معنى كلام الله تعالى المتدبر لآياته ثوابا وللتالي له وان لم يفهمه ثواب آخر فالمراد ان من تلاها مراعيا حقوق ادائها فاهما دقيق معانيها كانت تلاوته لها مع تاملها وتدبرها تعدل ثواب تلاوة ثلث القرآن من غير نظر في معانيه أو ثلث ليس فيه ما يتعلق بمعرفة الله تعالى وتوحيده ولا بدع في أشرف المعنى اذا ضم لبعض من أشرف الالفاظ أن يعدل من جنس تلك الالفاظ مقدارا كثيرا كلوح ذهب زنته عشرة مثاقيل مرصع بانفس الجواهر يساوى ألف مثقال ذهبا فصاعدا انتهى ولا أرى له كثير امتياز على غيره مما تقدم والذي اختاره ان يقال لا مانع من ان يخص الله عز وجل بعض العبادات التي ليس فيها كثير مشقة بثواب اكثر من ثواب ما هو جنسها واشق منها بأضعاف مضاعفة وهو سبحانه الذي لا حجر عليه ولا يتناهى جوده وكرمه فلا يبعد ان يتفضل جل وعلا على قارئ القرآن بكل حرف عشر حسنات ويزيد على ذلك اضعافا مضاعفة جدا لقارئ الاخلاص بحيث يعدل ثوابه ثواب قارئ ثلث منه غير مشتمل على تلك السورة ويفوض حكمة التخصيص الى علمه سبحانه وكذا يقال في أمثالها وهذا مراد جعل ذلك من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه وليس هذا بأبعد ولا أبدع من تخصيص بعض الازمنة والأمكنة الماهية بان للعبادة منه ولو قليلة من الثواب ما بزيد أضعافا مضاعفة على ثواب العبادة في مجاوره مثلا ولو كثيرة بل قد خص سبحانه بعض الازمنة والأمكنة بوجوب العبادة وفي بعضها بحرمتها فيه وله سبحانه في كل ذلك من الحكم ما هو به أعلم وقال ابن عبد البر السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام فيها وأسلم وكذلك حديث معاوية بن معاوية الليثي الذي افتتح به الامام الكلام في هذه السورة الكريمة خرجه الطبراني وأبو يعلى من طرق كلها ضعيفة والأحاديث الصحيحة الواردة فيها تكفي في فضلها بل قيل لذلك انها أفضل سورة في القرآن ومنهم من استدل عليه بما روى الدارمى في مسنده عن أبى المغيرة عن صفوان الكلاعى قال قال رجل يا رسول الله أي سور القرآن أعظم قال قل هو الله أحد وفي المسند من طريقي معاذ بن رفاعة وأسيد بن عبد الرحمن عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم قلت بلى قال فاقرأني قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم قال يا عقبة لا تنساهن ولا تبت ليلة حتى تقرأهن وروى الترمذي بعض هذا الحديث وحسنه ولا يدل على أنها أفضل سور القرآن مطلقا بل على أنها من الافضل وقال ابن الحصاد العجب ممن ينكر الاختلاف في الفضل مع كثرة النصوص الواردة فيه واختلف القائلون بالتفضيل فقال بعضهم الفضل راجع إلى عظم ومضاعفة الثواب بحسب انتقالات النفس وخشيتها وتدبرها عند أوصاف العلا وقيل بل يرجع لذات اللفظ فان تضمنته سورة الإخلاص مثلا من الدلالة على الوحدانية وصفاته تعالى ليس موجودا في تبت مثلا فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها ونقل الحليمى عن البيهقى ان معنى التفضيل بين الآيات والسور يرجع الى أشياء أحدها أن يكون العمل بها أولى من العمل بأخرى وأعود على الناس وعلى هذا يقال في آيات الامر والنهى والوعد والوعيد خير من آيات القصص لأنه انما أريد بها تأكيد الأمر والنهى الانذار والتنشير ولا غنى للناس عن هذه الامور وقد يستغنون عن القصص فكان ما هو اعود عليهم وانفع لهم مما يجرى مجرى الاصول خير لهم مما يجعل تبعا لما لابد منه الثانى ان يقال الآيات التي تشتمل على تعديد اسماء الله تعالى وبيان صفاته والدلالة على عظمته عز وجل افضل بمعنى انها واجل قدرا مما لا تشتمل على ذلك الثالث لن يقال سورة خير من سورة أو آية خير من آية بمعنى ان القارئ يتعجل له بقراءتها فائدة سوى الثواب الآجل وبتادى منه بتلاوتها عبادة كآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين فان قارئها يتعجل بقراءتها الاحتراز مما يخشى والاعتصام بالله تعالى ويتادى بتلاوتها عبادة الله سبحانه لما فيها من ذكره تعالى بالصفات العلا على سبيل الاعتقاد لها وسكون النفس الى فضل ذلك الذكر وبركته واما آيات الحكم فلا يقع بنفس تلاوتها اقامة حكم وانما يقع بها علم وقد يقال ان سورة افضل من سورة لان الله تعالى جعل قراءتها كقراءة اضعافها مما سواها واوجب بها من الثواب ما لم يوجب سبحانه لغيرها وان كان المعنى الذي لاجله بلغ بها هذا المقدار لا يظهر لنا وهذا نظير ما يقال في تفضيل الازمنة والامكنة بعضها على بعض على ما سمعت آنفا وبالجملة التفضيل باحد هذه الاعتبارات لا ينافي كون الكل كلام الله عز وجل ومتحد النسبة اليه سبحانه كما لا يخفي والله تعالى أعلم
{ قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ } المشهور أن هو ضمير الشأن ومحله الرفع على الابتداء خبره الجملة بعده ومثلها لا يكون لها رابط لأنها عين المبتدأ في المعنى والسر في تصديرها به التنبيه من أول الأمر على فخامة مضمونها مع ما فيه من زيادة التحقيق والتقرير فإن الضمير لا يفهم منه من أول الأمر إلا شأن مبهم له خطر جليل فيبقى الذهن مترقباً لما أمامه مما يفسره ويزيل إبهامه فيتمكن عند وروده له فضل تمكن وقول الشيخ عبد القاهر في «دلائل الإعجاز » أن له مع أن حسناً بل لا يصح بدونها غير مسلم نعم قال الشهاب القاسمي أن ههنا إشكالاً لأنه إن جعل الخبر مجموع معنى الجملة المبين في باب القضية أعني مجموع الله ومعنى أحد والنسبة بينهما ففيه أن الظاهر أن ذلك المجموع ليس هو الشأن وإنما الشأن مضمون الجملة الذي هو مفرد أعني الوحدانية وإن جعل مضمون الجملة الذي هو مفرد فتخصيص عدم الرابط بالجملة المخبر بها عن ضمير الشأن غير متجه إذ كل جملة كذلك لأن الخبر لا بد من اتحاده بالمبتدأ بحسب الذات ولا يتحد به كذلك إلا مضمون الجملة الذي هو مفرد وأجيب باختيار الشق الأول كما يرشد إليه تعبيرهم عن هذا الضمير أحياناً بضمير القصة ضرورة أن مضمون الجملة الذي هو مفرد ليس بقصة وإنما القصة معناها المبين في باب القضية وأيضاً هم يعدون مثل قوله صلى الله عليه وسلم أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد من الجمل التي هي عين المبتدأ في المعنى الغير المحتاجة إلى الضمير لذلك ومن العلوم أن ما يقال ليس المضمون الذي هو مفرد بل هو الجملة بذلك المعنى ولذا تراهم يوجبون كسر همزة إن بعد القول وكذا تمثيلهم لها بنطقي الله حسبي وكفي أي منطوقي الذي أنطق به ذلك إذ من الظاهر أن ما نطق به هو الجملة بالمعنى المعروف وقد دل كلام ابن مالك في «التسهيل » على المراد يكون الجملة التي لا تحتاج إلى رابط عين المبتدأ أنها وقعت خبراً عن مفرد مدلوله جملة وهو ظاهر فيما قلنا أيضاً وكون ذلك شأنا أي عظيماً من الأمور باعتبار ما تضمنه ووصف الكلام بالعظم ومقابله بهذا الاعتبار شائع ذائع وقال العلامة أحمد الغنيمي إن أريد أنها عينه بحسب المفهوم فهو مشكل لعدم الفائد وإن أريد عينه بحسب المصدق مع الغاير في المفهوم كما هو شأن سائر الموضوعات مع محمولاتها فقد يقال إن مشكل أيضاً إذ ما صدق ضمير الشأن أعم من الله أحد والخاص لا يحمل على العام في القضايا الكلية ودعوى الجزئية في هذا المقام ينبو عنه تصريحهم بأن ضمير الشأن لا يخلو عن إبهام وبعبارة أخرى وهي أن ما صدق عليه ضمير الشأن مفرد وما صدق الجملة مركب ولا شيء من المفرد بمركب ولذا تراهم يؤولون الجملة الواقعة خبراً بمفرد صادق على المبتدأ ليصح وقوعها خبراً والتزام ذلك في الجملة الواقعة خبراً عن ضمير الشأن ينافي تصريحهم بأنها غير مؤولة بالمفرد وإن كانت في موقعه وأجيب بأن معنى قولهم هو ضمير الشأن أنه ضمير راجع إليه وموضوع موضعه وإن لم يسبق له ذكر للإيذان بأنه من الشهرة والنباهة بحيث يستحضره كل أحد وإليه يشير كل مشير وعليه يعود كل ضمير وقولهم في عد الضمائر التي ترجع إلى متأخر لفظاً ورتبة منها ضمير الشأن فإنه راجع إلى الجملة بعده مسامحة ارتكبوها لأن بيان الشأن وتعيين المراد به بها فما صدق الضمير هو بعينه ما صدق الشأن الذي عاد هو عليه فيختار الشق الثاني فإما أن يراد بالشأن الشأن المعهود ادعاء وتجعل القضية شخصية نظير هذا زيد وأما أن يراد المعنى الكلي وتجعل القضية مهملة وهي في قوة الجزئية كأنه قيل بعض الشأن الله أحد وجاء الإبهام الذي ادعى تصريحهم به من عدم تعين البعض قبل ذكر الجملة وحملها عليه وما صدق عليه الشأن كما يكون مفرداً يكون جملة فليكن هنا كذلك واستمجد الأول واحتمال الكلية مبالغة نحو كل الصيد في جوف الفرا كما ترى فليتأمل وجوزوا أن يكون هو ضمير المسؤول عنه أو المطلوب صفته أو نسبته فقد أخرج الإمام أحمد في «مسنده » والبخاري في «تاريخه » والترمذي والبغوي في «معجمه » وابن عاصم في «السنة » والحاكم وصححه وغيرهم عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد أنسب لنا ربك فأنزل الله تعالى : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ } السورة وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني في «الأوسط » والبيهقي بسند حسن وآخرون عن جابر قال جاء إعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنسب لنا ربك فأنزل الله تعالى : { قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ } الخ وفي المعالم عن ابن عباس أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عامر إلام تدعونا يا محمد قال إلى الله قالا صفه لنا أمن ذهب هو أم من فضة أو من حديد أو من خشب فنزلت هذه السورة فأهلك الله تعالى أربد بالصاعقة وعامراً بالطاعون وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في «الأسماء والصفات » عن ابن عباس أن اليهود جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام منهم كعب بن الأشرف وحيى بن أخطب فقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك فأنزل الله تعالى السورة وكون السائلين اليهود مروي عن الضحاك وابن جبير وقتادة ومقاتل وهو ظاهر في أن السورة مدنية وجاز رجوع الضمير إلى ذلك للعلم به من السؤال وجرى ذكره فيه وهو عليه مبتدأ والاسم الجليل خبره وأحد خبر بعد خبر وأجاز الزمخشري أن يكون بدلاً من الاسم الجليل على ما هو المختار من جواز إبدال النكرة من المعرفة وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو أحد وأجاز أبو البقاء أن يكون الاسم الأعظم بدلاً من هو وأحد خبره والله تعالى وتقدم علم على الذات الواجب الوجود كما ذهب إليه جمهور الأشاعرة وغيرهم خلافاً للمعتزلة حيث قالوا العلم في حقه سبحانه محال لأن أحداً لا يعلم ذاته تعالى المخصوص بخصوصية حتى يوضع له وإنما يعلم بمفهومات كلية منحصرة في فرد فيكون اللفظ موضوعاً لأمثال تلك المفهومات الكلية فلا يكون علماً ورد بأنه تعالى عالم بخصوصية ذاته فيجوز أن يضع لفظاً بإزائه بخصوصه فيكون علماً وهذا على مذهب القائلين بأن الواضع هو الله تعالى ظاهر إلا أنه يلزم أن يكون ما يفهم من لفظ الله غير ما وضع له إذ لا يعلم غيره تعالى خصوصية ذاته تعالى التي هي الموضوع له على هذا التقدير والقول بأنه يجوز أن يكون المفهوم الكلى آلة للوضع ويكون الموضوع له هو الخصوصية التي يصدق عليها المفهوم الكلي كما قيل في هذا ونظائره يلزم عليه أيضاً أن يكون وضع اللفظ لما لا يفهم منه فإنا لا نفهم من أسمائه تعالى إلا تلك المفهومات الكلية والظاهر أن الملائكة عليهم السلام كذلك لاحتجاب ذاته عز وجل عن غيره سبحانه ومن هنا استظهر بعض الأجلة ما نقل عن حجة الإسلام أن الأشبه أن الاسم الجليل جار في الدلالة على الموجود الحق الجامع لصفات الإلهية المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد بالوجود الحقيقي مجرى الإعلام أي وليس بعلم وقد مر ما يتعلق بذلك أول الكتاب فارجع إليه بقي في هذا المقام بحث وهو أن الإعلام الشخصية كزيد أما أن يكون كل منها موضوعاً للشخص المعين كما هو المتبادر المشهور فإذا أخبر أحد بتولد ابن له فسماه زيداً مثلاً من غير أن يبصره يكون ذلك اللفظ اسماً للصورة الخيالية التي حصلت في مخيلته وحينئذ إذا لم يكن المولود بهذه السورة لم يكن إطلاق الاسم عليه بحسب ذلك الوضع ولو قيل بكونه موضوعاً للمفهوم الكلي المنحصر في ذلك الفرد لم يكن علماً كما سبق ثم إذا سمعنا علماً من تلك الأعلام الشخصية ولم نبصر مسماه أصلاً فإنا لا نفهم الخصوصية التي هو عليها بل ربما تخيلناه على غير ما هو عليه من الصور وإما أن يكون جميع تلك الصور الخالية موضوعاً له فيكون من قبيل الألفاظ المشتركة بين معان غير محصورة وأما أن يكون الموضوع له هو الخصوصية التي هو عليها فقط فيكون غيرها خارجاً عن الموضوع له فيكون فهم غيرها من الخصوصيات منه غلطاً فإما أن يترك دعوى كون تلك الأعلام جزئيات حقيقة ويقال إنها موضوعات للمفهومات الكلية المنحصرة في الفرد أو يلتزم أحد الاحتمالات الآخر وكلا الوجهين محل تأمل كما ترى فتأمل واحد قالوا همزته مبدلة من الواو وأصله واحد وإبدال الواو المفتوحة همزة قليل ومنه قولهم امرأة أناة يريدون وناة لأنه من الونى وهو الفتور وهذا بخلاف أحد الذي يلازم النفي ونحوه ويراد به العموم كما في قوله تعالى : { فما مِنكُم مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجزين } [ الحاقة : 47 ] وقوله عليه الصلاة والسلام " أحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي " وقوله تعالى : { هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مّنْ أَحَدٍ } [ مريم : 98 ] وقوله سبحانه : { فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً } [ الجن : 18 ] وقوله عز وجل : { وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ المشركين استجارك } [ التوبة : 6 ] فإن همزته أصلية وقيل الهمزة فيه أصلية كالهمزة في الآخرة والفرق بينهما قال الراغب أن المختص بالنفي منهما لاستغراق جنس الناطقين ويتناول القليل والكثير على طريق الاجتماع والافتراق نحو ما في الدار أحد أي لا واحد ولا اثنان فصاعداً لا مجتمعين ولا مفترقين ولهذا لم يصح استعماله في الإثبات لأن نفي المتضادين يصح ولاي صح إثباتهما فلو قيل في الدار أحد لكان فيه إثبات واحد منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين ومفترقين وذلك ظاهر الإحالة ولتناول ذلك ما فوق الواحد يصح أن يقال ما من أحد فاضلين وعليه الآية المذكورة آنفاً والمستعمل في الإثبات على ثلاثة أوجه الأول أن يضم إلى العشرات نحو أحد عشر واحد وعشرون والثاني أن يستعمل مضافاً أومضافاً إليه بمعنى الأول كما في قوله تعالى : { أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا } [ يوسف : 41 ] وقولهم يوم الأحد أي يوم الأول والثالث أن يستعمل مطلقاً وصفاً وليس ذلك إلا في وصف الله تعالى وهو وأن كان أصله واحداً إلا أن وحداً يستعمل في غيره سبحانه نحو قول النابغة
: كأن رحلي وقد زال النهار بنا *** بذي الجليل على مستأنس وحد
انتهى . وقال مكي أصل أحد واحد فأبدلوا الواو همزة فاجتمع ألفان لأن الهمزة تشبه الألف فحذفت إحداهما تخفيفاً وفرق ثعلب بين أحد وواحد بأن أحداً لا يبني عليه العدد ابتداء فلا يقال أحد واثنان كما يقال واحد واثنان ولا يقال رجل أحد كما يقال رجل واحد ولذلك اختص به سبحانه وفرق بعضهم بينهما أيضاً بأن الأحد في النفس نص في العموم بخلاف الواحد فإنه محتمل للعموم وغيره فيقال ما في الدار أحد ولا يقال بأن اثنان ويجوز أن يقال ما في الدار واحد بل اثنان ونقل عن بعض الحنفية أنه قال في التفرقة بينهما أن الأحدية لا تحتمل الجزئية والعددية بحال والواحدية تحتملها لأنه يقال مائة واحدة وألف واحد ولا يقال مائة أحد ولا ألف أحد وبنى على ذلك مسألة الإمام محمد بن الحسن التي ذكرها في «الجامع الكبير » إذا كان لرجل أربع نسوة فقال والله لا أقرب واحدة منكن صار مولياً منهن جميعاً ولم يجز أن يقرب واحدة منهن إلا بكفارة ولو قال والله لا أقرب أحداكن لم يصر مولياً إلا من إحداهن والبيان إليه وفرق الخطابي بأن الأحدية لتفرد الذات والواحدية لنفي المشاركة في الصفات ونقل عن المحققين التفرقة بعكس ذلك ولما لم ينفك في شأنه تعالى أحد الأمرين من الآخر قيل الواحد الأحد في حكم اسم واحد وفسر الأحد هنا ابن عباس وأبو عبيدة كما قال ابن الجوزي بالواحد وأيد بقراءة الأعمش { قُلْ هُوَ الله } الواحد وفسر بما لا يتجزأ ولا ينقسم وقال بعض الأجلة أن الواحد مقول على ما تحته بالتشكيك فالمراد به هنا حيث أطلق المتصف بالواحدية التي لا يمكن أن يكون أزيد منها ولا أكمل فهو ما يكون منزه الذات عن أنحاء التركيب والتعدد خارجاً وذهناً وما يستلزم أحدهما كالجسمية والتحيز والمشاركة في الحقيقة وخواصها كوجوب الوجود والقدرة الذاتية والحكمة التامة المقتضية للألوهية وهو مأخوذ من كلام الرئيس أبي علي بن سينا في تفسيره السورة الجليلة حيث قال إن أحداً دال على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه وأنه لا كثرة هناك أصلاً لا كثرة معنوية وهي كثرة المقومات والأجناس والفصول وكثرة الأجزاء الخارجية المتمايزة عقلاً كما في المادة والصورة والكثرة الحسية بالقوة أو بالفعل كما في الجسم وذلك يتضمن لكونه سبحانه : منزهاً عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما يثلم الوحدة الكاملة والبساطة الحقة اللائقة بكرم وجهه عز وجل عن أن يشبهه شيء أو يساويه سبحانه شيء وقال ابن عقيل الحنبلي الذي يصح لنا من القول مع إثبات الفات أنه تعالى واحد في إلهيته لا غير وقال غيره من السلفيين كالحافظ ابن رجب هو سبحانه الواحد في إلهيته وربوبيته فلا معبود ولا رب سواه عز وجل واختار بعد وصفه تعالى بما ورد له سبحانه من الصفات أن المراد الواحدية الكاملة وذلك على الوجهين كون الضمير للشأن وكونه للمسؤول عنه ولا يصح أن يراد الواحد بالعدد أصلاً إذ يخلو الكلام عليه من الفائدة وذكر بعضهم أن الاسم الجليل يدل على جميع صفات الكمال وهي الصفات الثبوتية ويقال لها صفات الإكرام أيضاً والأحد يدل على جميع صفات الجلال وهي الصفات السلبية ويتضمن الكلام على كونهما خبرين الأخبار بكون المسؤول عنه متصفاً بجميع الصفات الجلالية والكمالية وتعقب بأن الإلهية جامعة لجميع ذلك بل كل واحد من الأسماء الحسنى كذلك لأن الهوية الإلهية لا يمكن التعبير عنها لجلالتها وعظمتها إلا بأنه هو هو وشرح تلك الهوية بلوازم منها ثبوتية ومنها سلبية واسم الله تعالى متناول لهما جميعاً فهو إشارة إلى هويته تعالى والله سبحانه كالتعريف لها فلذا عقب به وكلام الرئيس ينادي بذلك وسنشير إليه إن شاء الله تعالى وقرأ عبد الله وأبي هو الله أحد بغير قل وقد اتفقوا على أنه لا بد منها في { قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون } [ الكافرون : 1 ] ولا تجوز في { تبت } فقيل لعل ذلك لأن سورة الكافرين مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم أو موادعته عليه الصلاة والسلام لهم ومثل ذلك يناسب أن يكون من الله تعالى لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور بالإنذار والجهاد وسورة تبت معاتبة لأبي لهب والنبي عليه الصلاة والسلام على خلق عظيم وأديب جسيم فلو أمر بذلك لزم مواجهته به وهو عمه صلى الله عليه وسلم وهذه السورة توحيد وهو يناسب أن يقول به تارة ويؤمر بأن يدعو إليه أخرى وقيل في وجه قل في سورة الكافرون أن فيها ما لا يصح أن يكون من الله تعالى ك { لا أعبد ما تعبدون } [ الكافرون2 ] فلا بد فيها من ذكر قل وفيه نظر لأنه لا يلزم ذكره بهذا اللفظ فافهم وقال الدواني في وجه ترك قل في تبت لا يبعد أن يقال أن القول بمعاتبة أبي لهب إذا كان من الله تعالى كان أدخل في زجره وتفضيحه وقيل فيه رمز إلى أنه لكونه على العلات عمه صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يهينه بمثل هذا الكلام إلا الذي خلقه إذ لا يبعد أن يتأذى مسلم من أقاربه لو سبه أحد غيره عز وجل فقد أخرج ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن جعفر بن محمد عن أبيه رضي الله تعالى عنهما قال مرت درة ابنة أبي لهب برجل فقال هذه ابنة عدو الله أبي لهب فأقبلت عليه فقالت ذكر الله تعالى أبي بنباهته وشرفه وترك أباك بجهالته ثم ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فخطب فقال «لا يؤذين مسلم بكافر » ثم إن إثبات قل على قراءة الجمهور في المصحف والتزام قراءتها في هذه السورة ونظائرها مع أنه ليس من دأب المأمور بقل إن يتلفظ في مقام الائتمار إلا بالمقول قال الماتريدي في التأويلات لأن المأمور ليس المخاطب به فقط بل كل أحد ابتلى بما ابتلى به المأمور فأثبت ليبقى على مر الدهور منا على العباد وقيل يمكن أن يقال المخاطب بقل نفس التالي كأنه تعالى أعلم به أن كل أحد عند مقام هذا المضمون ينبغي أن يأمر نفسه بالقول به وعدم التجاوز عنه فتأمل والله تعالى الموفق