روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ} (58)

{ وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى } أي أخبر بولادتها ، واصل البشارة الأخبار بما يسر لكن لما كانت ولادة الأنثى تسوءهم حملت على مطلق الأخبار ، وجوز أن يكون ذلك بشارة باعتبار الولادة بقطع النظر عن كونها أنثى وقيل : إنه بشارة حقيقة بالنظر إلى حال المبشر به في نفس الأمر ، وأياماً كان فالكلام على تقدير مضاف كما أشرنا إليه { ظَلَّ وَجْهُهُ } أي صار { مُسْوَدّا } من الكآبة والحياء من الناس ، وأصل معنى ظل أقام نهاراً على الصفة التي تسند إلى الاسم ، ولما كان التبشير قد يكون في الليل وقد يكون في النهار فسر بما ذكر وقد تلحظ الحالة الغالبة بناء على أن أكثر الولادات يكون بالليل ويتأخر اخبار المولود له إلى النهار خصوصاً بالأنثى فيكون ظلوله على ذلك الوصف طول النهار واسوداد الوجه كناية عن العبوس والغم والفكر والنفرة التي لحقته بولادة الأنثى ، قيل : إذا قوى الفرح انبسط روح القلب من داخله ووصل إلى الأطراف لا سيما إلى الوجه لما بين القلب والدماغ من التعلق الشديد فيرى الوجه مشرقاً متلألئاً ، وإذا قوى الغم انحصر الروح إلى باطن القلب ولم يبق له أثر قوي في ظاهر الوجه فيربد ويتغير ويصفر ويسود ويظهر فيه أثر الأرضية ، فمن لوازم الفرح استنارة الوجه وإشراقه ومن لوازم الغم والحزن اربداده واسوداده فلذلك كنى عن الفرح بالاستنارة وعن الغم بالاسوداد ، ولو قيل بالمجاز لم يبعد بل قال بعضهم : { أَنَّهُ } والظاهر أن { يُسْلِمْ وَجْهَهُ } اسم ظل { *ومسودا } خبره ، وجوز كون الاسم ضمير الأحد ووجهه بدلاً منه ولو رفع { وَجْهُهُ مُسْوَدّا } على أن { وَجْهَهُ } مبتدأ وهو خبر له والجملة خبر { ظِلّ } صح لكنه لم يقرأ بذلك هنا { وَهُوَ كَظِيمٌ } أي مملوء غيظاً وأصل الكظم مخرج النفس يقال : أخذ بكظمه إذا أخذ بمخرج نفسه ، ومنه كظم الغيظ لا خفائه وحبسه عن الوصول إلى مخرجه .

وفعل اما بمعنى مفعول كما أشير إليه أو صيغة مبالغة ، والظاهر أن ذلك الغيظ على المرأة حيث ولدت أنثى ولم تلد ذكراً ، ويؤيده ما روي الأصمعي أن امرأة ولدت بنتاً سمتها الذلقاء فهجرها زوجها فانشدت :

ما لأبي الذلقاء لا يأتينا . . . يظل في البيت الذي يلينا

يحرد أن لا نلد البنينا . . . وإنما نأخذ ما يعطينا

والفقير قد رأيت من طلق زوجته لأن ولدت أنثى ، والجملة في موضع الحال من الضمير في { ظِلّ } وجوز أبو البقاء أن يكون حالا من وجه ، وجوز غيره أيضاً حاليته من ضمير { مُسْوَدّا } .