اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ} (58)

ثمَّ إنه - تعالى - ذكر أنَّ الواحد من هؤلاء المشركين لا يرضى بالبنت لنفسه ، فالذي لا يرتضيه لنفسه كيف ينسبه لله - تعالى - فقال تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى } .

التَّبْشيرُ في عرف اللغة : مختصٌّ بالخبر الذي يفيد السرور ، إلا أنَّ أصله عبارة عن الخبر الذي يؤثر في تغيير بشرة الوجه ، ومعلومٌ أن السُّرورَ كما يوجب تغير البشرة ، فكذلك الحزن يوجبه ؛ فوجب أن يكون التَّبشيرُ حقيقة في القسمين ، ويؤكِّده قوله تعالى : { فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] . وقيل : المراد بالتَّبشير ههنا الإخبار .

قوله : { ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } ، يجوز أن تكون " ظلَّ " ليست على بابها ؛ من كونها تدلُّ على الإقامة نهاراً على الصِّفة المسندة إلى اسمها ، وأن تكون بمعنى : " صَارَ " ، وعلى التقديرين هي ناقصة ، و " مُسْودًّا " خبرها .

وأما " وجهه " ففيه وجهان :

أشهرهما ، وهو المتبادر إلى الذّهن أنه اسمها .

والثاني : أنه بدلٌ من الضمير المستتر في " ظلَّ " : بدل بعضٍ من كلٍّ ، أي : ظلَّ أحدهم وجهه ، أي : ظل وجه أحدهم .

قوله : " كَظِيمٌ " يجوز أن يكون بمعنى فاعل ، وأن يكون بمعنى مفعول كقوله : { وَهُوَ مَكْظُومٌ } [ القلم : 48 ] ، والجملة حالٌ ، وبجوز أن يكون : " وهُوَ كَظيمٌ " حالاً من الضَّمير في " ظلَّ " ، أو من " وَجْههِ " ، أو من الضمير في : " مُسْودًّا " .

وقال أبو البقاءِ : " فلو قرئ هنا " مُسْوَدٌّ " ، يعني بالرفع ، لكان مستقيماً ، على أن يجعل اسم " ظل " مضمراً فيها ، والجملة خبرها " .

وقال في سورة الزخرف [ الآية : 17 ] : " ويقرآن بالرفع على أنه مبتدأ ، وخبر في موضع خبر ظلَّ " .