{ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزواجكم } إن دخلتم بهن أولا { إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ } ذكراً كان أو أنثى واحداً كان أو متعدداً منكم كان أو من غيركم ، ولذا قال سبحانه : { لَهُنَّ } ولم يقل لكم ، ولا فرق بين أن يكون الولد من بطن الزوجة وأن يكون من صلب بنيها أو بني بنيها إلى حيث شاء الله تعالى : { فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ } على ما ذكر من التفصيل ، وروي عن ابن عباس أن ولد الولد لا يحجب والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن ذكر تقدير عدم الولد وبيان حكمه مستتبع لتقدير وجوده وبيان حكمه { فَلَكُمُ الربع مِمَّا تَرَكْنَ } من المال والباقي في الصورتين لبقية الورثة من أصحاب الفروض والعصبات ، أو ذوي الأرحام ، أو لبيت المال إن لم يكن وارث آخر { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } متعلق بكلتا الصورتين لا بما يليه وحده ، والكلام على فائدة الوصف وكذا على تقديم الوصية ذكراً قد مر آنفاً فلا فائدة في ذكر { وَلَهُنَّ } أي الأزواج تعددن أو لا { الربع مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ } على التفصيل المتقدم . { فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثمن مِمَّا تَرَكْتُم مّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا } فرض للرجل بحق الزواج( {[231]} ) ضعف ما فرض المرأة كما في النسب لمزية عليها ولذا اختص بتشريف الخطاب ، وتقديم ذكر حكم ميراثه وهكذا قياس كل رجل وامرأة اشتركا في الجهة والقرب ، ولا يستثنى من ذلك إلا أولاد الأم والمعتق والمعتقة لاستواء الذكر والأنثى منهم .
{ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ } المراد بالرجل الميت وهو اسم كان { يُورَثُ } على البناء للمفعول من ورث الثلاثي خبر كان ، والمراد يورث منه فإن ورث تتعدى بمن وكثيراً ما تحذف { كلالة } هي في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو الإعياء قال الأعشى :
فآليت لا أرثي لها من ( كلالة ) *** ولا من حفي حتى ألاقي محمداً
ثم استعيرت واستعملت استعمال الحقائق للقرابة من غير جهة الوالد والولد لضعفها بالنسبة إلى قرابتهما ، وتطلق على من لم يخلف والداً ولا ولداً ، وعلى من ليس بوالد ولا ولد من المخلفين بمعنى ذي كلالة كما تطلق القرابة على ذوي القرابة وجعل ذلك بعضهم من باب التسمية بالمصدر وآخرون جوزوا كونها صفة كالهجاجة للأحمق قال الشاعر :
( هجاجة ) منتخب الفؤاد *** كأنه نعامة في واد
وتستعمل في المال الموروث مما ليس بوالد ولا ولد إلا أنه استعمال غير شائع وهي في جميع ذلك لا تثنى ولا تجمع ، واختار كثير كون أصلها من تكلله النسب إذ أحاط به ، ومن ذلك الإكليل لإحاطته بالرأس ، والكل لإحاطته بالعدد ، وقال الحسين بن علي المغربي : أصل الكلالة عندي ما تركه الإنسان وراء ظهره أخذاً من الْكَلّ وهو الظهر والقفا ، ونصبها( {[232]} ) على أنها مفعول له أي يورث منه لأجل القرابة المذكورة ، أو على أنها حال من ضمير { يُورَثُ } أي حال كونه ذا كلالة واختاره الزجاج ، أو على أنها خبر لكان ؛ و { يُورَثُ } صفة لرجل أي إن كان رجل موروث ذا كلالة ليس بوالد ولا ولد ، وذكر أبو البقاء احتمال كون { كَانَ } تامة ، و { رَجُلٌ } فاعلها ، و { يُورَثُ } صفة له ، و { كلالة } حال من الضمير في يورث ، واحتمال نصبها على هذا الاحتمال على أنها مفعول له أيضاً ظاهر ، وجوز فيها الرفع على أنها صفة ، أو بدل من الضمير إلا أنه لم يعرف أحد قرأ به فلا يجوز القراءة به أصلاً ، وجعل نصبها على الاستعمال الغير الشائع على أنها مفعول ثان ليورث .
وقرىء { يُورَثُ } و { يُورَثُ } بالتخفيف والتشديد على البناء للفاعل ، فانتصاب { كلالة } إما على أنها حال من ضمير الفعل والمفعول محذوف أي يورث وارثه حال كونه ذا كلالة ، وإما على أنها مفعول به أي يورث ذا كلاله ، وإما على أنها مفعول له أي يورث لأجل الكلالة كذا قالوا ، ثم إن الذي عليه أهل الكوفة وجماعة من الصحابة والتابعين هو أن الكلالة هنا بالمعنى الثالث ، وروي عن آخرين منهم ابن جبير وصح به خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها بالمعنى الثاني ، ولم نر نسبة القولين الآخرين لأحد من السلف ، والأول منهما غير بعيد ، والثاني سائغ إلا أن فيه بعداً كما لا يخفى .
{ أَو امرأة } عطف على { رَجُلٌ } مقيد بما قيد به ، وكثيراً ما يستغنى بتقييد المعطوف عليه عن تقييد المعطوف ، ولعل فصل ذكرها عن ذكره للإيذان بشرفه وأصالته في الأحكام ، وقيل : لأن سبب النزول كان بيان حكمه بناءاً على ما روي عن جابر أنه قال : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض فقلت : كيف الميراث وإنما يرثني كلالة ؟ فنزلت آية الفرائض لذلك { وَلَهُ } أي الرجل ، وتوحيد الضمير لوجوبه فيما وقع بعد ، أو حتى أن ما ورد على خلاف ذلك مؤل عند الجمهور كقوله تعالى : { إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فالله أولى بِهِمَا } [ النساء : 135 ] وأتى به مذكراً للخيار بين أن يراعى المعطوف أو المعطوف عليه في مثل ذلك ، وقد روعي هنا المذكر لتقدمه ذكراً وشرافة ، ويجوز أن يكون الضمير لواحد منهما ، والتذكير للتغليب ، وجوز أن يكون راجعاً للميت ، أو الموروث ولتقدم ما يدل عليه ، وأبعد من جوز أن يكون عائداً للرجل ، وضمير المرأة محذوف ، والمراد وله أو لها : { أَخٌ أَوْ أُخْتٌ } أي من الأم فقط وعلى ذلك عامة المفسرين حتى أن بعضهم حكى الإجماع عليه .
وأخرج غير واحد عن سعيد بن أبي وقاص أنه كان يقرأ ( وله أخ أو أخت من أم ) ، وعن أبي من الأم ، وهذه القراءة وإن كانت شاذة إلا أن كثيراً من العلماء استند إليها بناءاً على أن الشاذ من القراءات إذا صح سنده كان كخبر الواحد في وجوب العمل به خلافاً لبعضهم ، ويرشد إلى هذا القيد أيضاً أن أحكام بني الأعيان والعلات هي التي تأتي في آخر السورة الكريمة ، وأيضاً ما قدر هنا لكل واحد من الأخ والأخت ، وللأكثر وهو السدس ، والثلث هو فرض الأم ، فالمناسب أن يكون ذلك لأولاد الأم ، ويقال لهم إخوة أخياف ، وبنو الأخياف ، والإضافة بيانية ، والجملة في محل النصب على أنها حال من ضمير { يُورَثُ } أو من { رَجُلٌ } على تقدير كون { يُورَثُ } صفة له ومساقها لتصوير المسألة ، وذكر الكلالة لتحقيق جريان الحكم المذكور ، وإن كان مع من ذكر ورثة أخرى بطريق الكلالة ولا يضر عند من لم يقل بالمفهوم جريانه في صورة الأم ، أو الجدة مع أن قرابتهما ليس بطريق الكلالة ، وكذا لا يضر عند القائل به أيضاً للإجماع على ذلك { فَلِكُلّ واحد مّنْهُمَا } أي الأخت والأخ { السدس } مما ترك من غير تفضيل للذكر على الأنثى ، ولعله إنما عدل عن فله السدس إلى هذا دفعاً لتوهم أن المذكور حكم الأخ ، وترك حكم الأخت لأنه يعلم منه أن لها نصف الأخ بحكم الأنوثة والحكمة في تسوية الشارع بينهما تساويهما في الإدلاء إلى الميت بمحض الأنوثة .
{ فَإِن كَانُواْ } أي الأخوة والأخوات من الأم المدلول عليهم بما تقدم والتذكير للتغليب { أَكْثَرَ مِن ذلك } أي المذكور بواحد ، أو بما فوقه والتعبير باسم الإشارة دون الواحد لأنه لا يقال أكثر من الواحد حتى لو قيل أوّل بأن المعنى زائداً عليه ، وبعض المحققين التزم التأويل هنا أيضاً إذ لا مفاضلة بعد انكشاف حال المشار إليه ، ولعل التعبير باسم الإشارة حينئذ تأكيد الإشارة إلى أن المسألة فريضة ، والفاء لما مر من أن ذكر احتمال الانفراد مستتبع لذكر احتمال العدد . { فَهُمْ شُرَكَاء فِى الثلث } يقتسمونه فيما بينهم بالسوية ، وهذا مما لا خلاف فيه لأحد من الأمة ، والباقي لباقي الورثة من أصحاب الفروض والعصبات ، وفيه خلاف الشيعة ، هذا ومن الناس من جوز أن يكون يورث في القراءة المشهورة مبنياً للمفعول من أورث على أن المراد به الوارث ، والمعنى وإن كان رجل يجعل وارثاً لأجل الكلالة ؛ أو ذا كلالة أي غير والد ولا ولد ، ولذلك الوارث أخ أو أخت فلكل من ذلك الوارث ، أو أخيه أو أخته السدس ، فإن كانوا أكثر من ذلك أي من الاثنين بأن كانوا ثلاثة ، أو أكثر فهم شركاء في الثلث الموزع للاثنين لا يزاد عليه شيء ، ولا يخفى أن الكلام عليه قاصر عن بيان حكم صورة انفراد الوارث عن الأخ والأخت ومقتض أن يكون المعتبر في استحقاق الورثة للفرض المذكور إخوة بعضهم لبعض من جهة الأم فقط ، وخارج على مخرج لا عهد به ، وفيه أيضاً ما فيه ، وقد أوضح ذلك مولانا شيخ الإسلام قدس سره بما لا مزيد عليه .
{ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يوصى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارّ } أي من غير ضرار لورثته فلا يقر بحق ليس عليه ، ولا يوصى بأكثر من الثلث قاله ابن جبير فالدين هنا مقيد كالوصية ، وفي { يُوصِى } قراءتان سبعيتان في البناء للمفعول والبناء للفاعل ، و { غَيْرِ } على القراءة الأولى حال من فاعل فعل مبني للفاعل مضمر يدل عليه المذكور ، وما حذف من المعطوف اعتماداً عليه ، ونظيره قوله تعالى : { يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والاصال * رِجَالٌ } [ النور : 36 ، 37 ] على قراءة { يُسَبّحُ } بالبناء للمفعول ، وقول الشاعر :
( ليبك ) يزيد ضارع لخصومة *** ومختبط مما تطيح الطوائح
وعلى القراءة الثانية حال من فاعل الفعل المذكور والمحذوف اكتفاءاً به ، ولا يلزم على هذا الفصل بين الحال وذيها بأجنبي كما لا يخفى ، أي يوصى بما ذكر من الوصية والدين حال كونه غير مضار ، ولا يجوز أن يكون حالا من الفاعل المحذوف في المجهول لأنه ترك بحيث لا يلتفت إليه فلا يصح مجيء الحال منه ، وجوز فيه أن يكون صفة مصدر أي إيصاء غير مضار ، واختار بعضهم جعله حالاً من وصية أو دين أي من بعد أداء وصية أو دين غير مضار ذلك الواحد ؛ وجعل التذكير للتغليب وليس بشيء ، وجوز هذا البعض أن يكون المعنى على ما تقدم غير مضر نفسه بأن يكون مرتكباً خلاف الشرع بالزيادة على الثلث وهو صحيح في نفسه إلا أن المتبادر الأول وعليه مجاهد وغيره . ويحتمل كما قال جمع أن يكون المعنى غير قاصد الإضرار بل القربة ، وذكر عصام الملة أن المفهوم من الآية أن الإيصاء والإقرار بالدين لقصد الإضرار لا يستحق التنفيذ وهو كذلك إلا أن إثبات القصد مشكل إلا أن يعلم ذلك بإقراره ، والظاهر أن قصد الإضرار لا القربة بالوصية بالثلث فما دونه لا يمنع من التنفيذ ، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل قال : إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة في حياتكم ، نعم ذاك محرم بلا شبهة وليس كل محرم غير منفذ فإن نحو العتق والوقف للرياء والسمعة محرم بالإجماع مع أنه نافذ ، ومن ادعى تخصيص ذلك بالوصية فعليه البيان وإقامة البرهان . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الإضرار بالوصية من الكبائر ، وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً
" إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة "
{ وَصِيَّةً مّنَ الله } مصدر مؤكد أي يوصيكم الله بذلك وصية ، والتنوين للتفخيم ، ومن متعلقة بمحذوف وقع صفة للنكرة مؤكداً لفخامتها ، ونظير ذلك { فَرِيضَةً مّنَ الله } [ النساء : 11 ] ولعل السر في تخصيص كل منهما بمحله ما قاله الإمام من «أن لفظ الفرض أقوى وآكد من لفظ الوصية ، فختم شرح ميراث الأولاد بذكر الفريضة ، وختم شرح ميراث الكلالة بالوصية ليدل بذلك على أن الكل وإن كان واجب الرعاية إلا أن القسم الأول وهو رعاية حال الأولاد أولى » ، وقيل إن الوصية أقوى من الفرض للدلالة على الرغبة وطلب سرعة الحصول ، فختم شرح ميراث الكلالة بها لأنها لبعدها ربما لا يعتنى بشأنها فحرض على الاعتناء بها بذكر الوصية ولا كذلك ما تقدم ، أو منصوب بمضار على أنه مفعول به له إما بتقدير أي أهل وصية الله تعالى ، أو على المبالغة لأن المضارة ليست للوصية بل لأهلها فهو على حدّ يا سارق الليلة أهل الدار ومضارتها الإخلال بحقوقهم ونقصها بما ذكر من الوصية بما زاد على الثلث ، أو به مثلا لقصد الإضرار دون القربة والإقرار بالدين كاذباً .
والمراد من الأهل الورثة المذكورة ههنا ووقع في بعض العبارات أن المراد وصية الله تعالى بالأولاد ، ولعل المراد بهم الورثة مطلقاً بطريق التعبير عن الكلِّي بأشهر أفراده كما عبر عن مطلق الانتفاع بالمال بأكله وإلا فهو غير ملائم وإنما نصب مضار المفعول به لأنه اسم فاعل معتمد على ذي الحال ، أو منفى معنى فيعمل في المفعول الصريح ، ويشهد لهذا الاحتمال قراءة الحسن { غَيْرَ مُضَارّ وَصِيَّةً } بالإضافة ، وذكر أبو البقاء في هذه القراءة وجهين : الأول : أن التقدير ( غير مضار ) أهل وصية فحذف المضاف ، والثاني : أن التقدير غير مضار وقت وصية فحذف وهو من إضافة الصفة إلى الزمان ، ويقرب من ذلك قولهم : هو فارس حرب أي فارس في الحرب ، وتقول : هو فارس زمانه أي في زمانه ، والجمهور لا يثبتون الإضافة بمعنى في ، ووقع في «الدر المصون » احتمال أنه منصوب على الخروج ولم يبين المراد من ذلك ، ووقع في «همع الهوامع » في المفعول به : إن الكوفيين يجعلونه منصوباً على الخروج ولم يبينه أيضاً ، قال الشهاب : فكأن مرادهم أنه خارج عن طرفي الإسناد ، فهو كقولهم : فضلة فلينظر .
{ والله عَلِيمٌ } بالمضار وغيره ، وقيل : بما دبره بخلقه من الفرائض { حَلِيمٌ } لا يعاجل بالعقوبة فلا يغترن المضار بالإمهال أو لا يغترن من خالفه فيما بينه من الفرائض بذلك ، والإضمار في مقام الإظهار لإدخال الروعة وتربية المهابة ، ثم اعلم أن الله سبحانه أورد أقسام الورثة في هذه الآيات على أحسن الترتيبات ، وذلك أن الوارث إما أن يتصل بالميت بنفسه من غير واسطة ، أو يتصل به بواسطة فإن اتصل بغير واسطة فسبب الاتصال إما أن يكون النسب أو الزوجية ، فحصل هنا ثلاثة أقسام : أشرفها وأعلاها الاتصال الحاصل ابتداءاً من جهة النسب ، وذلك هو قرابة الولادة ، ويدخل فيها الأولاد والوالدان ، وثانيها الاتصال الحاصل ابتداءاً من جهة الزوجية وهذا القسم متأخر في الشرف عن القسم الأول لأن الأول ذاتي والثاني عرضي ؛ والذاتي أشرف من العرضى ، وثالثها الاتصال الحاصل بواسطة الغير وهو المسمى بالكلالة ، وهذا القسم متأخر عن القسمين الأولين لوجوه : أحدها : أن الأولاد والوالدين والأزواج والزوجات لا يعرض لهم السقوط بالكلية ، وأما الكلالة فقد يعرض لها السقوط بالكلية ، وثانيها : أن القسمين الأولين ينتسب كل واحد منهما إلى الميت بغير واسطة ، والكلالة ينتسب إلى الميت بواسطة ، والثابت ابتداءاً أشرف من الثابت بواسطة ، وثالثها : أن مخالطة الإنسان بالوالدين والأولاد والأزواج والزوجات أكثر وأتم من مخالطته بالكلالة وكثرة المخالطة مظنة الألفة والشفقة وذلك يوجب شدة الاهتمام بأحوالهم ، فلهذه الأسباب وأشباهها أخر الله سبحانه ذكر ميراث الكلالة عن ذكر القسمين الأولين فما أحسن هذا الترتيب وما أشدّ انطباقه على قوانين المعقولات كما قاله الإمام .