السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۗ وَإِن كَانَ رَجُلٞ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٞ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٞ فَلِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرّٖۚ وَصِيَّةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٞ} (12)

{ ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهنّ ولد } ذكر أو غيره منكم أو من غيركم { فإن كان لهنّ ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين } وولد الابن في ذلك كالولد إجماعاً { ولهنّ } أي : الزوجات تعددن أو لا { الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد } منهنّ أو من غيرهنّ { فلهنّ الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين } وولد الابن كالولد في ذلك إجماعاً ، فقد فرض للرجل بحق العقد الصحيح ضعف ما للمرأة كما في النسب وهكذا قياس كل رجل وامرأة وارثين اشتركا في الجهة والقرب من الميت ولا يستثنى من ذلك إلا أولاد الأم والمعتق والمعتقة { وإن كان رجل } أي : الميت { يورث } أي : منه من ورث ، صفة رجل وخبر كان { كلالة ، } أو يورث خبر كان وكلالة حال من الضمير في يورث واختلفوا في الكلالة فذهب أكثر الصحابة إلى أنها من لا ولد له ولا والد ، قال الشعبي : سئل أبو بكر رضي الله تعالى عنه عن الكلالة فقال : إني سأقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان أراه ما خلا الوالد ، والولد فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : إني لأستحي من الله أن أردّ شيئاً قاله أبو بكر .

وذهب طاوس أنّ الكلالة من لا ولد له وهي إحدى الروايتين عن ابن عباس وأحد القولين عن عبد الله بن عمر ، وسأل رجل عقبة عن الكلالة فقال : ألا تعجبون من هذا ؟ سألني وما أعضل بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ما أعضلت بهم الكلالة ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ثلاث لأن يكون النبيّ بينهنّ لنا أحب إلينا من الدنيا وما فيها الكلالة والخلافة وأبواب الربا . وقال سعيد بن أبي طلحة : خطب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال : إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ فيه حتى طعن بإصبعه في صدري وقال : ( يا عمر ألا يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن ) وقوله : «ألا يكفيك آية الصيف » أراد أنّ الله تعالى أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أوّل سورة النساء ، والأخرى في الصيف وهي التي في آخرها ، وفيها من البيان ما ليس في آية الشتاء ، فلذلك أحاله عليها .

وقوله تعالى : { أو امرأة } عطف على رجل أي : أو امرأة تورث كلالة { وله } أي : الرجل { أخ أو أخت } واكتفى بحكم الرجل عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه ، ويصح أن يعود الضمير على الموروث الكلالة فيشمل الرجل والمرأة { فلكل واحد منهما السدس } وقد أجمعوا على أنّ المراد به الأخ والأخت من الأم { فإن كانوا } أي : الأخت والأخوات من الأم { أكثر من ذلك } أي : من واحد { فهم شركاء في الثلث } يستوي فيه ذكورهم وإناثهم ؛ لأنّ الإدلاء بمحض الأنوثة { من بعد وصية يوصي بها أو دين } وقوله تعالى : { غير مضارّ } حال من ضمير يوصي أي : غير مدخل الضرر على الورثة بأن يوصي بأكثر من الثلث ، وعن قتادة : كره الله الضرار في الحياة وعند الممات ونهى عنه .

وعن الحسن المضارّة في الدين أن يوصي بدين ليس عليه ، ومعناه الإقرار ، وقوله تعالى : { وصية من الله } مصدر مؤكد ليوصيكم أي : يوصيكم بذلك وصية كقوله : { فريضة من الله } ( النساء ، 11 ) .

{ والله عليم } بما دبره لخلقه من الفرائض { حليم } بتأخير العقوبة عمن خالفه .

تنبيه : خصت السنة توريث من ذكر بمن ليس فيه مانع من قتل أو اختلاف دين أو رق .