غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۗ وَإِن كَانَ رَجُلٞ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٞ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٞ فَلِكُلِّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرّٖۚ وَصِيَّةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٞ} (12)

11

ويتلوه في الشرف القسم الثاني لمثل ما قلنا ولهذا أردفه بالقسم الأول وذلك قوله : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } إلى قوله { توصون بها أو دين } ثم بيَّن أحوال القسم الثالث وهو الكلالة في قوله : { وإن كان رجل يورث كلالة } فما أحسن هذا النسق . ولما جعل في الموجب النسبيّ حظ الرجل مثل حظ الأنثيين ، فكذلك جعل في الموجب السببي وهو الزوجية حظ الزوج ضعف حظ الزوجة . وقد نبه في الآية على فضل الرجال حيث ذكرهم على سبيل المخاطبة ثمان مرات ، وذكرهن على الغيبة أقل من ذلك . ثم الواحدة والجماعة سواء في الربع والثمن ، ولا فرق في الولد بين الذكر والأنثى ، ولا بين الابن وابن الابن ، ولا بين البنت وبنت الابن ، ويخرج منه ولد البنت لأنه لا يرث . وههنا مسألة . قال الشافعي : يجوز للزوج غسل زوجته لأنها بعد الموت زوجته بدليل قوله تعالى : { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } وقال أبو حنيفة : لا يجوز لأنها ليست زوجته ، ولو كانت زوجته لحل له وطؤها لقوله :{ إلا على أزواجهم }[ المؤمنون : 6 ] وأجيب بأنه لو لم تكن زوجة له لكان قوله { ما ترك أزواجكم } مجازاً . ولو كانت زوجة مع أنه لا يحل له وطؤها لزم التخصيص وإذا تعارض المجاز والتخصيص فالتخصيص أولى كما بين في أصول الفقه . وكيف لا وقد علم في صور كثيرة حصول الزوجية مع حرمة الوطء كزمان الحيض والنفاس ونهار رمضان وعند اشتغالها بالصلاة المفروضة والحج المفروض وعند كونها في العدّة عن الوطء بالشبهة . وأيضاً حل الوطء ثابت على خلاف الأصل لما فيه من المصالح ، وعند الموت لم يبق شيء من تلك المصالح فعاد إلى أصل الحرمة ، أما حل الغسل ففيه مصالح فوجب القول ببقائه . واختلفوا في تفسير الكلالة فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه سئل عن الكلالة فقال : أقول فيه برأيي فإن كان صواباً فمن الله ، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله بريء منه . الكلالة ما خلا الوالد والولد . وعن عمر رضي الله عنه : الكلالة من لا ولد له فقط .

وعنه في رواية أخرى التوقف . وكان يقول : ثلاثة لأن يكون بينهن الرسول صلى الله عليه وسلم لنا أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها : الكلالة والخلافة والربا . وقيل : الكلالة القرابة من غير جهة الولد والوالد . ومنه قولهم : ما ورث المجد عن كلالة كما تقول : ما صمت عن عيّ . قال الفرزدق :

ورثتم قناة الملك لا عن كلالة *** عن ابني مناف عبد شمس وهاشم

والمختار الصحيح من الأقوال قول أبي بكر لأن الكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوّة من الإعياء . قال الأعشى :

فآليت لا أرثي لها من كلالة *** ولا من وجى حتى تلاقي محمداً

فاستعيرت للقرابة من غير جهة الوالد والولد لأنها بالإضافة إلى قرابة الأصول والفروع كلالة ضعيفة . ويحتمل أن يقال : هي من الإكليل لأنهم يحيطون بالإنسان إحاطة الإكليل بالرأس بخلاف قرابة الولادة فإنها تذهب على الاستقامة كما قال :

نسب تتابع كابراً عن كابر *** كالرمح أنبوباً على أنبوب

وأيضاً فإنه تعالى قال في آخر السورة { قل الله يفتيكم في الكلالة أن امرؤ هلك ليس له ولد }[ الآية :176 ] فاحتج عمر بذلك . والجواب أنه تعالى حكم في تلك الآية بتوريث الإخوة والأخوات حال كون الميت كلالة . ولا شك أن الإخوة والأخوات لا يرثون حال وجود الأبوين ، فيلزم أن لا يكون الميت كلالة حال وجود الأبوين . وأيضاً إنه تعالى ذكر حكم الولد والوالدين في الآيات المتقدمة ، ثم أتبعها ذكر الكلالة . وهذا الترتيب يقتضي أن يكون الكلالة من عدا الوالدين والولد ، ثم الكلالة قد يجعل وصفاً للمورث . والمراد الذي يرثه من سوى الوالدين والأولاد ، ويمكن أن يحمل عليه بيت الفرزدق أي ما ورثتم الملك عن الأعمام بل عن الآباء ، فسمى العم كلالة وهو ههنا مورث لا وارث . وقد يجعل وصفاً للوارث ومنه قول جابر : مرضت مرضاً أشفيت منه على الموت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إني رجل لا يرثني إلا كلالة وأراد به أنه ليس له والد ولا ولد . ويقال : رجل كلالة وامرأة كلالة وقوم كلالة لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر كالدلالة والجلالة ، وإذا جعلت صفة للوارث أو المورث كانت بمعنى ذي كلالة كما يقال : فلان من قرابتي أي من ذوي قرابتي . ويجوز أن يكون صفة كالهجاجة والفقاقة يقال : رجل هجاجة وفقاقة كلاهما بالتخفيف أي أحمق . وقوله تعالى : { وإن كان رجل يورث } فيه احتمالان : الأول وهو قول عطاء والضحاك : أن يكون مأخوذاً من ورث الرجل يرث فيكون الرجل هو الموروث منه ، وينتصب كلالة على الحال أو على أنه خبر " كان " و { يورث } صفة رجل . ويجوز أن يكون مفعولاً له أي يورث لأجل كونه كلالة . والثاني وهو قول سعيد بن جبير أن يكون مبنياً للمفعول من أورث فالرجل حينئذٍ هو الوارث ، وينتصب كلالة على الوجوه المذكورة .

قيل : ما السبب في أنه قال : { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة } ثم قال : { وله أخ } فكنى عن الرجل ولم يكن عن المرأة ؟ والجواب أنه إذا جاء حرفان في معنى واحد جاز إسناد التفسير إلى أيهما أريد ، وجاز إسناد إليهما أيضاً . تقول : من كان له أخ أو أخت فليصله أو فليصلها . والترجيح بالتذكير للشرف معارض بالتأنيث للقرب . وإن قلت : فليصلهما جاز أيضاً . ولعل التوحيد والتذكير في الآية أولى إما لأن الرجال في الأحكام أصل والنساء تبع لهم ، وإما بتأويل أحد المذكورين . ثم إن المفسرين أجمعوا على أن المراد من الأخ والأخت ههنا الأخ والأخت من الأم ، ويدل عليه ما نسب إلى أبيّ وسعد بن أبي وقاص : { وله أخ أو أخت من أم فلكل واحد منهما } أي من الأخ والأخت { السدس } من غير مفاضلة الذكر على الأنثى . هذا على الاحتمال الأوّل وهو أن الرجل مورث منه . وأما على الاحتمال الثاني وهو أن الرجل وارث فالضمير عائد إلى الرجل وإلى واحد من أخيه أو أخته . والمعنى مثل الأوّل ، لأنك إذا قلت السدس له أو لواحد من الأخ أو الأخت على التخيير فقد سوّيت بين الذكر والأنثى . ثم قال { فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } فبيّن أن نصيبهم كيفما كانوا لا يزداد على الثلث . وقد يسند الإجماع إلى هذا بيانه أنه قال في آخر السورة { قل الله يفتيكم في الكلالة }[ النساء :176 ] وأثبت للأختين الثلثين وللإخوة كل المال ، وههنا أثبت للإخوة ، والأخوات السدس عند الانفراد ، والثلث عند الاجتماع ، فعلم أن المراد من الإخوة والأخوات ههنا غير المراد من الإخوة والأخوات في تلك الآية . فالمراد ههنا الإخوة والأخوات من الأم وهم الأخياف ، وهناك الإخوة والأخوات من الأب والأم وهم الأعيان ، أو من الأب وهم أولاد العلات . فالكلالة وإن كانت عامة لمن عدا الوالد والولد إلا أنها في الآية خاصة كما بيننا . { غير مضار } حال أي يوصي بها وهو غير مضارّ لورثته . ومن قرأ { يوصى } مبنياً للمفعول فعامل الحال محذوف يدل عليه المذكور أي يوصى إذا علم أن ثمة موصياً والضمير فيه وهو ذو الحال يعود إلى رجل على تقدير أنه المورث ، أو إلى الميت الدال عليه سياق الكلام أي إن كان الرجل وارثاً وضرار الورثة بأن يوصي بأزيد من الثلث أو بالثلث فما دونه ونيته مضارة الورثة ومغاضبتهم وقطع الميراث عنهم لا وجه الله . وقد يقر بأن الدين الذي كان له على غيره قد استوفاه ، أو يبيع شيئاً بثمن بخس ، أو يشتري شيئاً بثمن غال ، كل ذلك لئلا يصل المال إلى الورثة . قال العلماء : الأولى بالإنسان أن ينظر في قدر ما يخلف ومن يخلف ، ثم يجعل وصيته بحسب ذلك فإن كان في المال قلة وفي الورثة كثرة لم يوص ، وإن كان بالعكس أوصى على قانون العدالة . وقد روي عن عكرمة عن ابن عباس : أن الإضرار في الوصية من الكبائر ، ويروى مرفوعاً وعن شهر بن حوشب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة فإذا أوصى وحاف في وصيته ختم له بشر عمله فيدخل النار . وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة " وعنه " من قطع ميراثاً فرضه الله قطع الله ميراثه من الجنة " { وصية من الله } نصب على المصدر المؤكد أو على أنه مفعول { مضار } أي لا يضار وصية من الله وهو الثلث فما دونه بزيادته على الثلث ، أو وصية من الله بالأولاد لا يدعهم عالة بإسرافه في الوصية { والله عليم } بمن جار في وصيته أو عدل { حليم } عن الجائر لا يعاجله بالعقوبة ، وفيه من الوعيد ما لا يخفى .

/خ22