{ يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ } أي من أن تنزل . ويجوز أن يكون يحذر متعدياً بنفسه كما يدل عليه ما أنشد سيبويه من قوله :
حذر أموراً لا تضير وآمن *** ما ليس ينجيه من الأقدار
وأنكر المبرد كونه متعدياً لأن الحذر من هيئات النفس كالفزع ، والبيت قيل : إنه مصنوع ، ورد ما قاله المبرد بأن من الهيآت ما يتعدى كخاف وخشي فما ذكره غير لازم { عَلَيْهِمْ } أي في شأنهم فإن ما نزل في حقهم نازل عليهم ، وهذا إنما يحتاج إليه إذا كان الجار والمجرور متعلقاً بتنزل ، وأما إذا كان متعلقاً بمقدر وقع صفة لقوله سبحانه : { سُورَةٌ } كما قيل أي تنزل سورة كائنة عليهم من قولهم : هذا لك وهذا عليك فلا كما لا يخفى إلا أنه خلاف الظاهر جداً . والظاهر تعلق الجار بما عنده ، وصفة سورة بقوله تعالى شأنه : { تُنَبّئُهُمْ } أي المنافقين { بِمَا فِي قُلُوبِهِم } من الأسرار الخفية فضلاً عما كانوا يظهرونه فيما بينهم خاصة من أقاويل الكفر والنفاق ، والمراد أنها تذيع ما كانوا يخفونه من أسرارهم فينتشر فيما بين الناس فيسمعونها من أفواه الرجال مذاعة فكأنهم تخبرهم بها وإلا فما في قلوبهم معلوم لهم والمحذور عندهم إطلاع المؤمنين عليه لهم ، وقيل : المراد تخبرهم بما في قلوبهم على وجه يكون المقصود منه لازم فائدة الخبر وهو علم الرسول عليه الصلاة والسلام به ، وقيل : المراد بالتنبئة المبالغة في كون السورة مشتملة على أسرارهم كأنها تعلم من أحوالهم الباطنة ما لا يعلمونه فتنبئهم بها وتنعى عليهم قبائحهم ، وجوز أن يكون الضميران الأولان للمؤمنين والثالث للمنافقين ، وتفكيك الضمائر ليس بممنوع مطلقاً بل هو جائز عند قوة القرينة وظهور الدلالة عليه كما هنا ، أي يحذر المنافقون أن تنزل على المؤمنين سورة تخبرهم بما في قلوب المنافقين وتهتك عليهم أستارهم وتفشي أسرارهم ، وفي الأخبار عنهم بأنهم يحذرون ذلك إشعار بأنهم لم يكونوا على بت في أمر الرسول عليه الصلاة والسلام . وقال أبو مسلم : كان إظهار الحذر بطريق الاستهزاء فإنهم كانوا إذا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر كل شيء ويقول : إنه بطريق الوحي يكذبونه ويستهزئون به لقوله سبحانه : { قُلِ استهزءوا } فإنه يدل على أنه وقع منهم استهزاء بهذه المقالة . والأمر للتهديد والقائلون بما تقدم قالوا : المراد نافقوا لأن المنافق مستهزىء وكما جعل قولهم : آمنا وما هم بمؤمنين مخادعة في البقرة جعل هنا استهزاء ، وقيل : إن { يَحْذَرُ } خبر في معنى الأمر أي ليحذر . وتعقب بأن قوله سبحانه : { إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } ينبو عنه نوع نبوة إلا أن يراد ما يحذرون بموجب هذا الأمر وهو خلاف الظاهر ، وكان الظاهر أن يقول : إن الله منزل سورة كذلك أو منزل ما تحذرون لكن عدل عنه إلى ما في النظم الكريم للمبالغة إذ معناه مبرز ما تحذرونه من إنزال السورة ، أو لأنه أعم إذ المراد مظهر كل ما تحذرون ظهوره من القبائح ، وإسناد الإخراج إلى الله تعالى للإشارة إلى أنه سبحانه يخرجه إخراجاً لا مزيد عليه ، والتأكيد لدفع التردد أو رد الإنكار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.