المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{يَحۡذَرُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيۡهِمۡ سُورَةٞ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلِ ٱسۡتَهۡزِءُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخۡرِجٞ مَّا تَحۡذَرُونَ} (64)

قوله ، { يحذر } خبر عن حال قلوبهم ، وحذرهم إنما هو أن تتلى سورة ومعتقدهم هل تنزل أم لا ليس بنص في الآية لكنه ظاهر ، فإن حمل على مقتضى نفاقهم واعتقادهم أن ذلك ليس من عند الله فوجه بين ، وإن قيل إنهم يعتقدون نزول ذلك من عند الله وهم ينافقون مع ذلك فهذا كفر عناد ، وقال الزجّاج وبعض من ذهب إلى التحرز من هذا الاحتمال : معنى يحذر الأمر وإن كان لفظه لفظ الخبر كأنه يقول «ليحذر » وقرأ أبو عمرو وجماعة معه «أن تنْزَل » ساكنة النون خفيفة الزاي ، وقرأ بفتح النون مشددة الزاي الحسن والأعرج وعاصم والأعمش ، و { أن } من قوله { أن تنزل } مذهب سيبويه ، أن ، { يحذر } عامل فهي مفعوله ، وقال غيره حذر إنما هي من هيئات النفس التي لا تتعدى مثل فزع وإنما التقدير يحذر المنافقون من أن تنزل عليهم سورة{[5765]} ، وقوله { قل استهزئوا } لفظه الأمر ومعناه التهديد ، ثم ابتدأ الإخبار عن أنه يخرج لهم إلى حيز الوجود ما يحذرونه ، وفعل ذلك تبارك وتعالى في سورة براءة فهي تسمى الفاضحة لأنها فضحت المنافقين ، وقال الطبري : كان المنافقون إذ عابوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا شيئاً من أمره قالوا لعل الله لا يفشي سرنا فنزلت الآية في ذلك .

قال القاضي أبو محمد : وهذا يقتضي كفر العناد الذي قلناه .


[5765]:- هذا رأي المبرد، وكثير من العلماء لا يرون ذلك، ويقولون: إن (خاف) من هيئة النفس ومع ذلك تتعدى، ومثلها (خشي). راجع "البحر"و "حاشية الجمل".