محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَحۡذَرُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيۡهِمۡ سُورَةٞ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمۡۚ قُلِ ٱسۡتَهۡزِءُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخۡرِجٞ مَّا تَحۡذَرُونَ} (64)

وقوله تعالى :

[ 64 ] { يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون 64 } .

{ يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم } أي في شأنهم ، فإن ما نزل في حقهم ، نازل عليهم { سورة تنبئهم بما في قلوبهم } أي من الأسرار الخفية ، فضلا عما كانوا يظهرونه فيما بينهم من أقاويل الكفر والنفاق . ومعنى تنبئتها إياهم بما في قلوبهم ، مع أنه معلوم لهم ، وأن المحذور عندهم اطّلاع المؤمنين على أسرارهم ، لا اطّلاع أنفسهم عليها- أنها تذيع ما كانوا يخفونه من أسرارهم ، فتنتشر فيما بين الناس ، فيسمعونها من أفواه الرجال مذاعة ، فكأنها تخبرهم بها . والمراد بالتنبئة المبالغة في كون السورة مشتملة على أسرارهم ، كأنها تعلم من أحوالهم الباطنة ما لا يعلمونه ، فتنبئهم بها ، وتنعي عليهم قبائحهم . وقيل : معنى { يحذر } ليحذر ، وقيل : الضميران الأولان للمؤمنين ، والثالث للمنافقين ، ولا يبالى بالتفكيك عند ظهور الأمر بعود المعنى إليه . أي يحذر المنافقون أن تنزل على المؤمنين سورة تخبرهم بما في قلوب المنافقين . أفاده أبو السعود .

فإن قلت : المنافق كافر ، فكيف يحذر نزول الوحي على الرسول ؟ أجيب : بأن القوم ، وإن كانوا كافرين بدين الرسول ، إلا أنهم شاهدوا أنه عليه الصلاة والسلام كان يخبرهم بما يكتمونه ، فلهذه التجربة وقع الحذر والخوف في قلوبهم .

/ وقال الأصمّ : إنهم كانوا يعرفون كونه رسولا صادقا من عند الله ، إلا أنهم كفروا به حسدا وعنادا . وتعقبه القاضي بأن يبعد ، في العالم بالله ورسوله وصحة دينه ، أن يكون محادا لهما . لكن قال الرازيّ : هو غير بعيد ، لأن الحسد إذا قوي في القلب ، صار بحيث ينازع في المحسوسات . انتهى .

وقال أبو مسلم : هذا حذر أظهره المنافقون على وجه الاستهزاء حين رأوا الرسول عليه الصلاة والسلام يذكر كل شيء ، ويدعي أنه عن الوحي ، وكان المنافقون يكذبون بذلك فيما بينهم ، فأخبر الله رسوله بذلك ، وأمره أن يعلمهم أنه يظهر سرهم الذي حذروا ظهوره . ولذلك قال تعالى : { قل استهزئوا } أي بالله وآياته ورسوله ، أو افعلوا الاستهزاء ، وهو أمر تهديد { إن الله مخرج ما تحذرون } أي مظهر بالوحي ما تحذرون خروجه من إنزال السورة ، ومن مثالبكم ومخازيكم المستكنة في قلوبكم الفاضحة لكم ، كقوله تعالى{[4570]} : { أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم . . . } إلى قوله : { ولتعرفنّهم في لحن القول . . } الآية- ولهذا قال قتادة : " كانت تسمى هذه السورة ( الفاضحة ) فاضحة المنافقين "

/خ66


[4570]:[ 47 / محمد عليه السلام / 29].