التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا} (18)

قوله تعالى : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ( 18 ) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ( 19 ) } .

في ( العاجلة ) ، عبّر بالنعت عن المنعوت ، والمراد الدار العاجلة ؛ أي دار الدنيا ، وهي دار الفناء . والمعنى : من كان يبتغي الدنيا العاجلة الفانية وحدها ولا يسعى ويشقى إلا من أجلها والاستزادة من متاعها وزينتها ( عجلنا له فيها ما نشاء ) أي نعجل له في العطاء منها ما نشاء لا ما يشاء المتعجل ( لمن نريد ) بدل ، من قوله : ( له ) {[2656]} أي من كانت بغيته الدنيا وحدها أعطى الله منها ما شاء أن يعطيه لمن شاء أن يعطيه من هؤلاء الذين لا يبتغون غير الدنيا وزينتها . وبذلك فإن المعجل قد قُيد بقيدين . القيد الأول : قوله : ( ما نشاء ) أي ما يشاء الله تعجيله منها للمريد ، لا ما يشاؤه المريد نفسه .

وبذلك فإن كثيرا ممن يريدون الدنيا وحدها لا ينالون منها ما يريدون ويتمنون ؛ لأن الله يعطي الدنيا لمن يشاء من عباده ؛ فالمعطي هو الله . .

القيد الثاني : قوله : ( لمن نريد ) أي لمن يريد الله أن يعجل له العطاء من هؤلاء الذين يريدون الدنيا . وهو ما تقتضيه مشيئته وحكمته .

وهذه حقيقة ما ينبغي أن تغيب عن أولي الاعتبار والنباهة وهي أن المرء مهما غالى في الحرص والسعي والاجتهاد في طلب الدنيا ؛ فإنه لا يعطى منها إلا ما أعطاه الله إياه . وهو بإقباله على الدنيا وإدباره عن الآخرة لا يزيد من حظه في الدنيا إلا ما أعطاه ربه فما يحصد من إدباره عن الآخرة وتشبثه المطلق بالدنيا غير الهوان والخسران .

قوله : ( ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ) ( يصلاها ) : يدخلها . أصلاه النار وصلاه إياها وفيها وعليها ؛ أي أدخله إياها وأثواه فيها{[2657]} ، فبسبب عصيانه وإقباله على الدنيا ، مدبرا عن الآخرة ؛ فإنه صائر إلى جهنم ( يصلاها مذموما ) أي يدخلها مخزيا ذليلا . والمذموم ، إشارة إلى الإهانة والتحقير ( مدحورا ) أي مبعدا من رحمة الله وفضله ، موغلا في الخسران والهوان .


[2656]:- البيان لابن الأنباري جـ2 ص 87.
[2657]:- القاموس المحيط جـ4 ص 335.